1أضحوكة الجميع
تشتهيها.. كأن إكسير الحياة في كوب الشاي الذي تقدمه لك قبل أن تضع سماعتك علي صدر أول مريض..تقدم ياأحمد ولاتقف..أن تعيش بالجنون أفضل ألف مرة من أن تعيش بالعقل والندم..ما أبشع أن تكتشف فجأة أنك عشت طوال حياتك أضحوكة للجميع..أحمد هو الشخص الذي بلغ سن اليأس ولم يحتلم بعد..هذا ما يقوله أولاد الأفاعي عنك في غيابك.. عشت عمرك – في رحاب المرحومة – مستمتعا بقفا الدنيا الباسم فهل كان من الممكن أن تموت دون أن ترى وجهها الدميم.. ربما يقولون أيضا أنك تعانى عقدة أوديب..وكلامهم – رغم بشاعته -لايخلو من حقيقة..في الخمسين من عمرك ولاعيادة لك.. ولازوجة لك..ولا عشيقة لك.. ولا هواية لك.. ليس لك إلا أحلام اليقظة والعادة اللعينة..ليس لك إلا مشاهدة أفلام الكرتون ولعب الفيفا..ليس لك إلا البكاء علي عمرك المسكوب.. مبارك عليك..لم يكن بالإمكان أن ترضي بك سوي هذه الممرضة الأربعينية الطيبة العانس مثلك..التى لاتشتهيها..لاتشتهي سوي كوب الشاي الذي تقدمه لك..ما أبشع أن تتأكد فجأة أنك ستظل بقية عمرك أضحوكة نفسك..
2 كائنات تستحق الضرب بالحذاء
بعد حصولك علي بكالوريس التربية بتقدير جيد جدا سيكون كل حلمك أن تعمل مدرسا بالحصة في المدرسة الاعدادية التى كنت تدرس بها..وبوساطة عضو مجلس الشعب – ابن عم خالة والدتك – سوف يتحقق حلمك..ستفرح فرحة طاغية .. وستوزع والدتك زجاجات البيبسي علي سكان شارعك.. بعدها سيكون كل حلمك أن يتم تثبيتك.. لكنك ستضطر أن تصحو مبكرا للتوقيع في دفتر الحضور..يامن تعودت علي السهر حتي صلاة الفجر..لماذا تنام قبل أن تصلي؟؟ ستثور علي نفسك بدون مقدمات..وسيأتيك اليقين – بمساعدة شيوخ الفضائيات والميكروباصات – بأن ابتعادك عن طريق ربنا هو سبب ما أنت فيه..لذا ستطلق لحيتك ولن يضايقك منظرها الرث يا دنجوان زمانك .. وتنضم إلي جماعة التوحيد لمدة شهرين كاملين.. ثم تفاجأ بثورة أبيك وسخرية طلابك وتهديد ا.ابو الفضل – ناظر المدرسة – بإلغاء التعاقد معك..ستتراجع لأنك أجبن من أن يكون لك موقف..وستحاول الاندماج مع مجتمعك الجديد..ولكن ستشعر بالاغتراب حين تجلس مع زملاءك – مدرسيك سابقا – في الحجرة التي تعبق بالملل والكآبة كأحاديثهم وسندوتشاتهم..كائنات كنت تظن أنها انقرضت فكيف عادت إلي الحياة .. كيف؟؟
كائنات كنت تسمح لها بالاعتداءعليك بالسب والضرب اذا ما تكاسلت عن أداء واجب بغيض كوجوهم الكالحة..كيف؟؟ وشكل المدرسات الذكوري سيجعلك تتساءل لماذا لاتحاكم الدولة أزواجهن بتهمة الشذوذ العلنى..
ولكن أ. أبوالفضل – الخارج لتوه من مسلسل تاريخي مصري- سيعيد تربيتك من جديد.. سيمنعك من دخول المدرسة بقميصك الربع كم وبنطلونك الجينز وحذاءك الرياضى ..ولكن الأمر ليس بيدك..الأمر بيد جو سبتمبر الخنيق وحرائق قش الأرزوعوادم الجرارات الزراعية والتكاتك ومياه المجاري الطافحة باستمرار..وسينهزم الزمالك – ناديك الاثير للأسف- أمام مركز شباب بني عبيد..ولن تضحك علي إفيه واحد في فيلم الزعيم الاخيروعليه العوض في ثمن التذكرة..
في اليوم التالي ستذهب إلي المدرسة وعفاريت الغضب تقفز في وجهك.. لذا ستشرح الحصة في أقل من عشر دقائق ثم تنام مرهقا علي مكتبك..من سوء حظك سيدخل أ. أبو الفضل ويقوم بتوبيخك ويبدأفي الموشح المعتاد عن زمن التعليم الجميل..ستنفلت
أعصابك كما لم يحدث لك من قبل..وستخلع حذاءك وتنهال به علي أم رأسه فى ضربات متوالية عنيفة وأنت تصرخ:
الجو صعب..وحال الزمالك صعب..وحال السينما صعب ..وانت صعب..يلعن أبوك ياكلب يابن الكلب..
ثم تهدأ فجأة..ثم يسود صمت عميق للحظات..ثم يجتاحك تصفيق الطلبة المدوي..
وهتافاتهم المؤيدة المتعاطفة..وسيحاول الجميع بعد ذلك – بما فيهم الكائنات المنقرضة- أن يكون لهم موقف مثلك يابطل...
3 زوجة الشيخ
لايزال هذا الرجل بالنسبة لي حتي الآن لغزا لاأفهمه ولا يفهمه أحد من شارعنا..
حتي أبي-صديقه الحميم-لايتحدث عنه إلا بكل خير..وأسأل نفسي تراه لا يعرف ماذا
يقول الناس عن سيرة زوجته وسيرة أهلها؟؟
ولكنني أدين له بالفضل..فعلي يديه حفظت القرآن كاملا..قبل أن أدخل المدرسة الابتدائية..وبفضل علاقاته الطيبة مع جميع أساتذتي تمتعت بالتدليل منهم طوال فترة دراستي..الغريب أن الناس رغم ما يتاهمسون به سرا إلا أنهم يحترمونه ويلجأون إليه في حل مشكلاتهم..قلت لنفسي لعلها إشاعات..وفي بداية المراهقة هجمت الهرمونات هجمة شرسة علي أعصابي ولم أستطع أن أتصدي لها بكل ما أحفظ من أقوال مأثورة.. لذا وجدتني أقف بالساعات خلف شيش شباك حجرتى المطلة علي حجرة نوم الشيخ..وعندم لمحتني زوجته وأنا أتلصص عليها وهي تخلع قميص نومها
شعرت بالرعب إلا أنها ضحكت..فتأكدت من صدق ما يقال..وفي لحظة شجاعة دفعتني إليها رغبة متأججة ذهبت إليها في وقت صلاة..تنفتح لي أبواب النعيم أنهل منها كيفما أشاء..وتكرر الذهاب وزاد الاطمئنان وطال المكوث..وكان لابد أن تأتي الطوبة في المعطوبة..يفاجئنا الشيخ..لا أتذكر ما حدث بعد ذلك إلا وجودي في قطار متجه إلي مدينة نائية..وعلي عكس ما تصورت سرعان ما أخذتني الحياة ونسيت الحادث وعاري وعار عائلتي الطيبة..وإن كان إحساس غامض بالقذارة لايفارقني..
أخلق لنفس آلاف المبررات ولكني لا أستعيد راحة بالي المفقودة..أفكر أن أرسل له رسالة اعتذارثم أتراجع خشية أن يستدل علي عنوانى..
بمرور الاعوام تتبدل ملامحي بصورة تجعل من المستحيل أن يعرفني أحد من أهل قريتي..معي من المال ما يكفي لشراء منزل جميل وميني ماركت أستعين به علي المعيشة في الايام الباقية لي في هذه الحياة..عندما تقف السيارة فى مدخل القرية أشعر بالرعب ..القرية هي هي..لم يكد يتغير فيها شىء..كأنني فارقتهاالبارحة..متى يتوقف كل أحدوكل شىء عن خداعي؟؟..الاب والام والشيخ والمكان والزمان والقرية والمدينة..وما معنى هذا المشهد الذي أراه الآن؟؟ الشيخ يخرج من الجامع متأبطا ذراع أبي..ويلوحان لي بذراعهما!!!
4 لعبة الأب وابنه
لايعرف أحد في عربة القطار أن تلك المحجبة الجميلةكانت حبيبتي طوال أربع سنوات كاملة..وأنني أحفظ جسدها جزءا جزءا عن ظهر يد وعن ظهر لسان..وان الطفل الوسيم خفيف الظل الذي يجلس علي ركبة الأخ الملتحي جوارها ربما كان ابنى..سبحان مغير الاحوال..في البداية لم أعرفها..ولو لم ألمح طيف ابتسامةعلي شفتيهاعندما التقت عينانا لقلت يخلق من الشبه أربعين..يابنت الأيه يامروة؟؟مالذي جمع الشامي علي المغربي؟؟الله يتقبل التوبة..ولكن نظرة عينيك الشهوانيةتؤكد لي أن توبتك غير نصوح..اذن ألست أولي من الغريب..المرأة لكى تصطاد عريسا لابدأن تكون بريئة بلهاء أو عاهرة لئيمة .. جملة قرأتها ذات مرة ولاأذكر لمن..لم ينتشلني من أمواج ذكرياتي المتلاطمة سوي صوت الطفل المسرسع وهو يدبدب في الارض:
بابا ..هاتلي بالونة من الراجل ده..والنبي ياماما قوليله يشتريلي بالونة..
لايعرف أحد في القطار أن بائع البالونات حاصل على بكالوريوس علوم سواها..
الأب يجيب بلهجة حازمة:
عشان حلفت بالنبي مش جايب بالونات..قلتلك ألف مرة حرام
اضطر للا نصراف
يجهش الطفل بالبكاء:
أنا مش عايزك تبقي بابا
ويمسك بطرف قميصي:
أنا عايزك انت تبقي بابا
أومىء بالايجاب وأناأبتسم ابتسامة حانية ممتزجة بالمرارة وأنظر لابيه المتجهم:
ابنك زي العسل يابيه..تسمحلي أديله بالونة هدية..
ينفجر: انت هتبقشش عليا يا حيوان..أكتم غيظى ..
يتأملني الطفل مندهشا من صمتي ويصرخ غاضبا:
هو مافيش حد في البلد دي قادر يوقف الراجل ده عند حده ليه؟؟
همست في سري:أمك استطاعت ولكنها لاتجرؤ علي إعلان ذلك..
5 الفشار
- ارحم صدرك م الدخان يا حبيبي شوية..حرام عليك شبابك..
تقولها أمى بصوت يتمزق خوفا علي..وأنا كالذي يذهب إلي حتفه طائعا..يرتبط التفكير عندي بالتدخين..كأن السجارة هي المهندس الذي ينقب عن الأفكار في آبار عقلي..وفي النهاية مالذي يعود علي من إبداعي سوي خيبات أمل متكررة..نحن في زمن الكتاب الذين لايعرفون شيئا عن عباس العقاد سوي أنه شارع شهير في مدينة نصر..يقول لي صديق يعاني نفس إحباطي:
اسمع يامحمد..أيام عبد الناصر كان فيه زعامة في كل حاجة..
عبد الناصر زعيم سياسي..نجيب محفوظ زعيم الرواية..يوسف أدريس زعيم القصة القصيرة..أم كلثوم زعيمة الأغنية ..وهكذا..أما في هذا الزمن فالشخص العادي والمحدود الطموح والقدرات هو الذي تولي الزعامة..حاول ان تتأمل الموجودين علي الساحة الآن في كل المجالات..مطربون أصواتهم لا تكاد تتميز عن صوت الشخص العادي ومذيعون أسلوبهم في الحوار لا يختلف عن أسلوب رواد المقاهي..وسياسيون لايفهون في السياسة أكثر من ربة منزل..
أتذكر رواية الشحاذ ..وأقول لأمي أنني سأتوقف عن التدخين في مقابل أن تعلمني كيفية عمل الفشار..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق