رواية (البستاني)
1
ما لا أعرفه عن أبطال روايتي يفوق بكثير جدا ما أعرفه عنهم..وهذا ما يجعلنى أتهيب من كتابة الروايات ..تلك التي تفترض في كتابها أن يكونوا آلهة.. وأن يعلموا خائنة الأعين وما تخفي الصدور..وأعدكم بأنني سأحاول أن أفعل ذلك ..فأنا واحد من هؤلاء البشر الذين خلقهم الله للفرجة علي عباده ..ودس أنوفهم في حياة الآخرين ..ويعتبرون فضولهم وتطفلهم صلاة في محراب الفن..ما أغرب الإنسان..هذا الكائن الذي يحاول دائما تسمية الأشياء بغير مسمياتها..ويطلق علي أبشع غرائزه أجمل الصفات وأكثرها سموا ورفعة..ورغم امتلاء المجتمع باللصوص والمجرمين والقوادين والمرتشين والحقودين والثرثارين والجهلاء إلا أنك ستعيش عمرك دون أن تقابل الانسان الذي يعترف بأنه حقود أو جاهل أو مرتشى ..الحقود يسمي حقده غيرة علي الدين أو علي الأخلاق..والجاهل يعتبر جهله حكمة ..والمرتشي يسمى الرشوة هدية وإكرامية ويابخت من نفع واستنفع..ولكن أبطال روايتي يختلفون في كل شىء ويتفقون في شىء واحد..انهم واضحون مع أنفسهم ومع الآخرين ..وهذا ما جعلني أحبهم وأكتب عنهم ..فأسامة الرفاعي يعترف بأنه لايحب الفقراء ويتمني إبادتهم وأنهم ليسوا سوي فئران تجارب تعلم عليهم الطب لكي يعالج المرضى الاغنياء..ومجدي خليل يعترف بأن تدينه ليس إلا هروبا من واقع لايستطيع أن ينجح فيه..وصفاء وهبة تعترف بأن رجلا واحدا لايكفيها..وفتحي عبد المجيد يعترف بأنه عانى من الفصام في بداية شبابه..وعلا الشربينى تعترف بأنها شعورها تجاه صفاء وهبة ليس احتقارا بقدر ماهو حسد..
2
قيل ذات مرة بأن البشر يولدون ويتعذبون ويموتون ..والعذاب يأتي من عجز الإنسان
عن إشباع رغباته..الرغبة في الطعام والشراب والجنس والصحة والمجد والسلطة والخلود..الرغبة في أن يستمتع أكثر مما يستمتع الآخرون..ولكن هناك بشرا ولدوا واستمتعوا وماتوا..والسر يكمن في قدرتهم علي مواجهة أنفسهم بنقائصهم والاعتراف بها علي الملأ ..الفقر ليس عذابا..العذاب ان تأبي الاعتراف به..أن تخجل منه ..وبالتالي تهرب من مواجهته..وبالتالي يتوحش كما يتوحش السرطان في عضو لايتوجع ..وأبطال روايتي يواجهون..ويعترفون..ويصرخون..ويتجردون من أقنعتهم قناعا قناعا ..ومن هواجسهم هاجسا هاجسا..وحتما ستكرههم إذا لم تملك جرأتهم كما تكره المرأة الدميمة راقصة رشيقة ..وكما تكره البركة الراكدة بحرا يحترف الصخب
والجنون..وأمواجا تضاجع الصخور بشراسة وديعة..
3
رغم ملامحه التي تخلو من وسامة إلا أن له حضورامشعا يجعله بطلا سينمائيا من الطراز الرفيع ..مالذي يجعل بعض البشريملكون كل هذا الوهج وهذا السحر وهذا التأثير..والذي يسمونه كاريزما..هل هي منحة من الله أم شىء يستطيع الإنسان اكتسابه..كنت دائما أفكر وأنا أجلس أمام هذا الرجل في محاضراته التي لم يكن يتخلف طالب عنها..هرج ومرج في القاعة ..وبمجرد قدومه يسود صمت خشوع..صمت إكبار وإجلال..صمت تقديس..وكأنك تجلس أمام أحد كهنة مصر القديمة..أو أمام أحد أقطاب الصوفية العظام أو أمام شاعر بحجم المتنبي أو طاغور..
وقد لاتفهم جميع ما يقول ولكنك ستشعر بالانتشاء والامتلاء..وعندما ينتهي ستشعر بخدر لذيذ يسري في أعصابك ..وفي كل ذرة من كيانك..هذا هو أستاذي د.أسامة الرفاعي استاذ جراحة التجميل الذي شاءت الاقدار أن أقترب منه..لكي أتعلم الطب
وأتعلم أكثرالحياة..الحياة التي لم أكن أعرف عنها شيئا قبل أن أكون أقرب تلامذته إليه..وعن طريقه سأعرف مجدي خليل وصفاء وهبة وعلا الشربيني وفتحي عبد المجيد..وغيرهم من الشخصيات التي مزقت أوهامي وأرتني الدنيا التي لم أكن أري أوالتي كنت أخاف أن أري..وسأحكي لكم بعض مارأيت..وأتمني أن يتسع وقتكم لتسمعوا ..وأن يتسع صدركم لتغفرواخطاياهم التي هي بعض من خطاياكم..
4
عندما تخرجت في كلية الطب بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وكنت من أوائل دفعتي
كانت فرحتي لاتوصف ..اعتقدت أن معاناتي انتهت ..وأنه آن الأوان لكي أستمتع بالحياة التي حرمت منها طوال سنوات الجامعة ..تلك الفترة التى لم أعرف فيها سوى الصلاة والمذاكرة..اعتقدت دائما أن الحياة الناجحة لاتتطلب ماهو أكثر من ذلك..الصلاة والمذاكرة..هكذا كان يقول لي أبي ..وهكذا كان يقول لي المدرسون.لم أتصور أنه ينقصني الكثير..لم أسأل نفسي أبدا كيف يراني زملائى ..ماذا يقولون عني وراء ظهري..لم أتصور أنني قد أكون محل سخرية أحد ..أو محل انتقاده..وكيف ذلك؟وأنا لاأري إلا نظرات الاعجاب في عيون أساتذتى وجيراني..وفي سنة الامتيازكنت نهما للتعلم ..أجري من قسم الي آخرلكي أتعلم أقصي ما يمكن تعلمه..رغم انني كان هدفي واضحا ..ان اتخصص في جراحة التجميل لكي أكون مثل أسامة الرفاعي..وتوهمت ان شخصا مثله لابد أن يعجب بطالب في اجتهادي وتميزي..ولكن هذا لم يحدث..العكس هو ما حدث تماما..
5
كان يعاملني بكراهية لاأعرف دوافعها..كانت الكراهية تحيط بي من كل جانب..رغم انني كنت اكثر النواب تفانيا في العمل ..ولكن زملائى وزميلاتى يتجنبونني..والممرضات في القسم يكرهونني..ولا أصف لكم حجم المرارة التي كنت أشعر بها وانا أري العلاقة الطيبة والابتسامات الودودة والتعليقات المرحة التي يتبادلونها مع بعضهم البعض..كنت أحاول أن اتجاهل تجاهلهم لي ونفورهم مني بالتفاني في العمل أكثر..هل أنا شخص بهذه البشاعة؟؟وكان من المحال أن أجيب بنعم..فانا لم أولد اليوم ..منذ خمسة وعشرين عاما أعيش..ودائما كنت محاطا بالحب وبالاعجاب..هم إذن يكرهونني لانني أفضل منهم..وفي يوم من الايام سأصير أعظم من أسامة الرفاعي نفسه..وسأبصق عليه..هذا الرجل الذي يكرهني لسبب لست اعرفه علي وجه التحديد..هل لان معظم زملائى وزميلاتي أولاد أساتذة زملائه..وانا والدي موظف حقير في وزارة حقيرة..كم أكره أبي..فقره هو سبب جميع مشاكلي..لماذا تزوج؟؟هؤلاء الذين لايستطيعون أن يضمنوا لاولادهم حياة كريمة لماذا يتزوجون؟؟لماذا لاتمنعهم الدولة من ارتكاب تلك الجريمة البشعة؟؟
6
اذهب يوميا الي المستشفى وكأنني ذاهب الي الجحيم..عضلات وجهي مشدودة..أعصابي مشدودة..وعيناي بحيرتا غضب ومرارة ويأس...وقلبي في حنجرتي..كم أود أن تنشق الارض وتبلعني..لعلني أستريح..لا..لست أنا الذي يرفع الراية البيضاء بكل تلك السهولة..غدا سيعرف القصر العيني كله من أكون..سيندمون لانهم عاملوني بتلك الطريقة..ستملأ صوري صفحات الجرائد..ستستضيفني كل القنوات التلفزيونية..سيكون هناك مدرج باسمي..بل سيكون اسمي أحد أشهر الميادين في القاهرة..في تلك الفترة الكئيبة عرفت التدخين للمرة الاولي في حياتي ..وعرفت الحشيش أيضا..وعرفت كيف يبدأ جنون العظمة ..وكيف يبدأ جنون الاضطهاد..
في تلك الفترة شتمت امي للمرة الاولي في حياتى ..وتركت الصلاة..وأدمنت أفلام البورنو..وعرفت الارق..والأقراص المنومة ..وروايات احسان عبد القدوس..في تلك الفترة الكئيبة وضعت قدمي علي أول عتبات البهجة...
7
لابد أن ثمرة البندق ستلعنك عندما تكسر قشرتهابآلةحادة..ولكنها حتما ستشكرك عندما تكتشف بداخلها هذا الكنز المخبوء..والنقد البناء والهدام هو الذي يكشف كنوزنا المخبوءة بداخلنا..هو الذي يفجر مواهبنا النائمة..هو الذي يحررنا من الكهوف الحجرية التي نعيش فيها..لذا فنحن مدينون للذين عاملونا بقسوةبمثل مانحن مدينون للذين عاملونا بحب..
8
في هذه الليلة كانت النوبتجية هادئة ..وبعد ان انتهيت من المرورعلي المرضي في القسم سيطرت علي رغبة في الحديث مع نائبي السنيور احمد حسين ..تملكتني شجاعة لا اعرف مصدرها..وقررت أن أضع نهاية لعذاباتي..أرخيت عضلات وجهي بقدر ما استطعت ..سأكف عن الدفاع عن نفسي بتلك الطرق التشنجية المريضة ..وقلت لماذا أترك نفسي للظنون في الوقت الذي أستطيع فيه معرفة الحقيقة ..حتي وإن كانت موجعة..قررت أن أسأله لماذا يتجنبني الجميع..قررت أن أصارحه بكل المشكلات التى أعاني منها منذ استلمت العمل في هذا القسم..كنت علي استعداد أن أسمع جميع عيوبي..والنتيجةكانت مدهشة..صارحني بأن المشكلة في القالب المتصلب الذي اعيش فيه..وكلامه بقدر ما أوجعني بقدرما جعلني اري نفسي بصورةاوضح..لم اتخيل بانني كنت متقوقعا علي ذاتي الي هذا الحد ..وانني شخص جاد الي هذه الدرجة الكئيبة..ومن يومها اصبحت أكثر مرونة ..وأكثر مرحا..ومن يومها لم أعد هذا الشخص المنبوذ من الجميع...وفي خلال شهور قلائل سأكون أقرب النواب الي د.اسامة الرفاعي..وستتغير نوعية المشكلات التى اواجهها بخصوص الآخرين..الذين قال عنهم فيلسوفي المفضل سارتر بأنهم الجحيم..
9
تماما كما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية ..وكما اكتشف أرشميدس قانون الطفو وخرج عاريا يصيح وجدتها..اكتشفت انا قانون السيطرة علي الآخرين..في تلك اللحظة التي صارحت أحمد حسين فيها بحاجتي الي رأيه في شخصيتي..وكيف أتعامل مع الأخرين..لمحت في عينيه ومضة فرح قبل أن يجيبني ..الآخرون ليسوا بالقوة التي كنت أتصورها..إنهم جائعون إلي التقدير..إلي أحد يشعرهم بأهميتهم بصدق..يستمع إلي آرائهم الساذجة بانبهار.. يستمع إلي نكاتهم السخيفة ويقهقه..يستمع الي شكاواهم ويتأوه..اصبحت تلك اللعبة اللا أخلاقية لعبتي المفضلة..لعبة اللعب بالمشاعر..واللعب بالعقول..واللعبة لاتتطلب سوي حاجبين يندهشان ..وأذنين يستمعان..وشفتين تبتسمان أو تتحسران..وعقل يدعي البلاهة..والنتيجة مذهلة..أصبحت صديق الجميع..ولم يكتشف لعبتي سوي أبطال روايتي..لذا كنا نلعب مع بعضنا البعض بأوراق مكشوفة..و كان اللعب دائما ممتعا ..حتي الخسارة كانت بطعم الانتصار..
10
الاقتراب من امرأة كان أخطر عندي من الاقتراب من حقل ألغام..الغموض بقدر ماهو ساحر بقدر ماهو مخيف ..والمرأة كانت دائما كائنا غامضا بالنسبة لي ..تحيط بها هالة من الاقوال المغلوطة ولكن لها قوة اليقين ..وجبروت العقيدة..تماما كفكرتك عن اليهود قبل أن تقابل يهوديا..وفكرتك عن المغول قبل أن تقابل مغوليا..الخطر المحدد والمعروف والمرئي تستطيع أن تواجهه ..بل وأن تتغلب عليه..الاطباء النفسيون يعالجون مريض الفوبيا احيانا بمواجته بالشىء الذي يخاف منه بشكل مفاجيء..كأن يحبسوا مريض فوبيا القطط في غرفة بها عدة قطط..ليكتشف أن الخوف والهلع لايوجد إلا في رأسه فقط..ولا أفهم لماذا يربوننا بتلك الطريقة..المرأة دائما مرتبطة بالخطيئة والشيطان والجلدوالرجم وعذاب القبر والشجاع الأقرع والجحيم..وتخيلت دائما ان الوقوع في علاقة حب غير عذرية سيعقبها
سقوط صاعقة من السماء..وصفاء وهبة بددت تلك الاوهام..
11
طالما ساءلت نفسي تري ماهي مواصفات الرجل الذي تعجب به المرأة..وكانت الاجابة دائما محبطة ..فلابد أنه الرجل الوسيم والغني واللبق ذو المركز الاجتماعي الكبير..وانا يفصلني عن تلك المواصفات بون شاسع ..وأقفز الي النتيجة الهامة التي أكتبها على لائحة مضاءة بالنيون في مقدمة عقلي (من المستحيل أن تحبني امرأة)..
والمدهش أن هذه اللافتة اللعينة يقرأها الآخرون أيضا ويؤكدونها لي..فأبصم بالعشرة بأنه من المستحيل أن تحبني امرأة...ولكن أبطال روايتى سيعلمونني كيف أفكر..وهل يحتاج التفكير الي طريقة الي تعلمه ..أليس الانسان كائنا مفكرا بالفطرة..ألايمارس الانسان الجنس بالفطرة..سحقا لهؤلاء البشر الذين يريدون تشويه فطرتنا..
12
رغم معاملته الجافة لي أثناء شهور نيابتي الاولي الا انني لم أستطع أن أكرهه..وبدا لي أن هذا الرجل لو حاول قتلي لما استطعت ان أكرهه..فقد كان إعجابي به فوق كل شعور ..وفوق كل منطق ..كنت مقتنعا بأن الخطأ لابد في..وعذابي يكمن في عدم استطاعتي تحديده.. وعرفت منه بعد ذلك انه كان يستطيع مساعدتي ..وأنه كان طول الوقت يراقبني ليري كيف أتغلب علي عقدي النفسية دون مساعدة أحد..ونجحت عندما وضعت يدي علي أول خيوط اللعبة..والدرس الاول الذي يجب أن يتعلمه كل طبيب تجميل ..وهو أن يضع يده علي مواطن القبح في العضو الذي سيقوم بتجميله..
طبيب التجميل – وهذا كلام د.أسامة- طبيب نفسي قبل أن يكون جراحا ..وفنان قبل أن يكون طبيبا..سألني ذات مرة
- لماذا اخترت جراحة التجميل؟؟
- لأنني عقب أول محاضرة لك أدركت بأنك المثل الاعلي الذي أريد أن أكون مثله..
وبالطبع لم أكن أجامله ..ولم أكن أمارس لعبتي المفضلة ..وكيف أجرؤ؟؟ ..وانا لست إلا كتكوتا في قفص صدره..
ثم سألته
- لماذا اخترته انت؟؟
هو يكره أن أقول له حضرتك ..بل يكره أن أكون مؤدبا بأي شكل من الاشكال ..فهو لايكره أحدا قدرا كراهيته للشخص المؤدب بفطرته والمؤدب اصطناعا..
وعلي طريقة الكتاب المملين..أخذ شهيقا عميقا وأخرج زفيراوأراح ظهره علي ظهر المقعد ..والمقعد كان كيت وكيت ..ثم أشعل سجارة نوعها كيت ..ثم أجاب بصوت كذا وكذا..الحقيقة أنني أحسد هم علي ثروتهم اللغوية الضخمة وعلي ذاكرتهم الحديدية القادرة علي تذكر أدق وأتفه التفاصيل ..وأصارحكم بأنني احتاج لعمر فوق عمري لكي أصل لمستواهم..المهم ..يري د.اسامة أن الطبيعة تحتاج دائما للمسة تجميل بشرية مهما بلغ مستوي جمالها ..فلوحة الغروب أجمل من منظر الغروب ..وقصص الحب علي الشاشة الفضية أجمل بكثير من الواقع..والاشجارفي الحديقة تحتاج الي بستانى ماهر يهذبها ويشذبها..يقول لي تخيل مثلا جميلات السينما بدون مستحضرات التجميل ..ستنفرمنهن بدلا من أن تتخيلهن في أحضانك..هل تعرف المثل الذي يقول كدب مساوي أحسن من صدق منعكش..هذا المثل عبقري ..فهو لايحرض علي الكذب بقدر ما يلفت نظرناالي أهمية أضفاء الجمال علي الصدق..
يمكنك أن تقول أيضا قبح مساوي أجمل من جمال منعكش ..وشر مساوي أجمل من خير منعكش..الانسان القوي هو اللي يقدر يعمل من الفسيخ شربات..ولانسانة الشاطرة هي التي تستطيع أن تغزل برجل حمار..الانسان القوي هو من تكون مهنته جزء من فلسفته في الحياة ..وبذلك يكون لوجوده معني يستحق أن يعيش من أجله..أنا جئت الي هذه الدنيا لكي أقوم بتجميلها من أجل نفسي ومن أجل أولادي من بعدي..وبدون قصد ..وبدون ادعاء بطولة سيستفيد الآخرون من محاولاتى الشديدة الانانية..لايوجد طبيب في القصر العيني لم يستفد من محاضراتي العلمية ..بل لا يوجد طبيب لم يستفد من أناقتي ..ومن أسلوبي في الحوار..ليس مطلوبا مني أن أهاجم النظام الحاكم لكي أكون مواطنا صالحا وشريفا..ليس مطلوبا مني أن أتظاهر في ميدان التحريرلكي أكون مواطنا صالحا وشريفا..مهمتي ومهمة كل أنسان في هذا الكون أن يتركه وقد أصبح أكثر جمالا عن ذي قبل..
13
للاستمتاع بالحياة طرق لاحصرلها..فنجان شاي تشربه مع صديق من أصدقاء الطفولة..الخروج مع فتاة جميلة لمشاهدة فيلم في السينما ..اختطاف قبلة منها وهي منهمكة في أكل الفيشار بتلذذ..تناول وجبة دافئة مع العائلة في ليلة شتاء ممطرة..زيارة الأماكن الأثرية..الذهاب إلي المصيف برفقة شلة الجامعة..الغناء في الباص أثناء رحلة إلي شرم الشيخ..حفظ قصيدة شعر ضربت علي وتر حساس في مشاعرك..أن تشد بامتنان علي يد مدرس عاملك بحب واحترام أثناء مراحل تعليمك الأولي ..أن ترقص في فرح جار عزيز عليك..أن تحكي نكتة ظريفة لزملائك في العمل وتنال استحسانهم..أن تقرأ رواية شيقة في نهاية يوم حافل بالعمل..أن تحب أغنية وتضعها نغمة علي هاتفك المحمول ليعرف الجميع رقي ذوقك..أن تنجح في إنقاص بضع كيلوجرامات من وزنك الزائد ..أن تكتب .. أن تكتب قصة حياتك في رواية ..ليس مهما أن يقرأها أحد ..ولكن الأهم أن تكتبها..أن تري حياتك علي الورق..لتبدأ في رؤيتها من جديد ..للمراجعة والحساب قبل فوات الأوان ..ليس مهما أن تكون محترف كتابة ..المهم أن تحكي بصدق وبنفس الالفاظ التى تتحدث بها ..هناك بشر خلقهم الله لوضع العراقيل أمامنا ..دائما يخبروننا بأن هناك طريقة صحيحة وباقي الطرق خاطئة ..الطريقة الصحيحة للصلاة..والوضوء..والاستنجاء..
والاغتسال..والجلوس علي المكتب ..والمشي..والمذاكرة..وممارسة الحب ..
دائما هناك الطريقة النموذجية والاجوبة النموذجية والاسئلة النموذجية..دائما هناك طرق يرسمها الاخرون لنسير فيها دون اعتراض ودون مناقشة..وانا هنا أتحدث عن حياتي بالطريقة التى أريدها..انا جراح تجميل والكتابة ليست مهنتي ولا أريد ..فتحي عبد المجيد بارع أكثر مني ..ويستطيع أن يقول في بضع سطورماأقوله في صفحات.
ولكن هل يوجد قانون سماوي أو أرضي يمنعني من التعبير عن ذاتي بالأسلوب الذي
أعرفه حتي وإن كان ركيكا في وجهة نظركتابنا العظام ..هؤلاء الكتاب الذين يكتبون بلغة لا أفهمها ويناقشون قضايا لا تهمني بروح عدمية يائسة تنتقل بالعدوي إلي نفوس قارئيها الأبرياء..وبدلا من أن تعاقبهم الدولة علي بث روح اليأس والحزن في نفوس الشعب تعطيهم الجوائز وتمنحهم القلادات..الديوان الذي يقرأه فتحي الآن مكتوب علي غلافه الفرح ليس مهنتي ..قسما بالله شاويش المسرح أكثر فائدة منكم يادعاة الاكتئاب..
14
لليوم الجميل صباح ذو رائحة منعشة لاتخطئها أنفي..عندما تصحو من نوم أشبعك وتفتح نافذتك وتفاجأ بالشمس تبتسم لك ابتسامة فتاة تحبك حب عبادة..فتبادلها الابتسام
راضيا عن نفسك وعن ظروفك المادية المتعسرة ..متيقنا بأن كل شىء سيكون علي ما يرام قريبا ..قريبا جدا..وأنك تسير في الطريق الصحيح نحو هدفك ..دخلت الحمام وأخذت دشا دافئا وأنا أدندن بأغنية شديدة العذوبة لفيروز(باكتب اسمك)..أختي الصغيرة رشا تراقبني وأنا متجه نحو غرفتي بدهشة باسمة ولكني لا أبالي واظل أغني بصوت أجش (باكتب اسمك ياحبيبي ع الحور العتيق..تكتب اسمي ياحبيبي ع رمل الطريق)..لاتصدقوا ما قلته لكم عن الصباح والشمس ..السر كان في أحساسى بهما .. ربع قرن وأن أعيش دون أن أنتبه للحظة واحدة أن في السماء شمسا وظيفتها الاساسية هي أن تسكب النور والدفء في حجرات القلب ..أن تبتسم للنوافذ وأبراج الحمام ..أن تهمس في أذن العصافير أن غنوا وافرحوا فالعمر أقصر من قصير..للمرة الاولي أنتبه وأستيقظ وأعي وأفهم وألاحظ وأسترخي وأتمدد علي السحاب..للمرة الاولي تقول لي فتاة كلاما ناعما كبشرتها وحلوا كثغرها وطريا كقوامها ومدورا وملفوفا كساقها وأصابعها..للمرة الاولي يرن هاتفي فأجري..ألهث..
أقفز ..أتنطط..أحتضن الوسادة..وأضغط علي الزر الاخضر..وأسمع .أستمتع..أطرب
..أنتشي..أصل إلي الأورجازم..نعم الأورجازم..وهي تقول بصوت ملائكي ..شيطاني..صوفي..شهواني..بدوي..غجري ..حضري..
- صباح الخيريا شادي
- صباح الخير ياصافي
تعاتبني بغضب مفتعل
- أيه اللي انت عملته إمبارح ده
أتساءل بخبث أعرف أنها ستحبه
- ايه اللي عملته؟
-استعبط
-صدقيني مش عارف بتتكلمي عن أيه
- اللي انت عملته امبارح في السينما..
علي فكرة أنا محترمة جدا..واللي حصل
مش هاسمح يحصل تاني ..عيبي إني
وثقت فيك..ما حدش لمسني قبل كده غير جوزي
- جاية المستشفي النهاردة ولا؟؟
- مش عارفة..هافكر..
- وبعد تسعة ..ياتري هتبقي فاضية
- مش عارفة ..هافكر..
15
رغم أن فتحي عبد المجيد جراح تجميل شاطرومشهورإلا أن أحساسا بالمرارة لايفارق نظراته الحادة النافذة وضحكته الساخرة وقفشاته اللاذعة ..يقول لي بأنه نجح في الطب ليس حبا فيه ولكن مثله لن يفشل حتي ان امتهن الحلاقة . .وانا أصدقه في ذلك..عيبه الوحيد هو ذاكرته المثقوبة كغربال ..فمرة يخبرني بأن هندسة المعمار هي المهنة التي خلق من أجلها..ومرة التمثيل..ومرة الشعر ..ومرة تدريس التاريخ..ومرة الكتابة للمسرح ..ومرة رسام كاريكاتير.. لم يترك مهنة إلا وتمني أن يعملها..ذات مرة ونحن ندخن سجارة حشيش معا علي كوبري عباس سألته
- قوللي ياباشا لو انت مش جراح تجميل تتمني تشتغل أيه؟
- حلاق
- إشمعني
- عشان أبقي بارد وجلدي تخين ..عمرك سمعت عن حلاق انتحر
رغم أن رده أضحكني إلا أن حديثه عن الانتحار أقلقني..وخصوصا أنه اعترف لي من قبل بأنه عاني من الفصام في بداية مراهقته ..ودخل مستشفي أمراض عقلية لثلاث شهور..ولم يتم شفاءه إلا علي يد شيخة تدعي صباح في مدينة طنطا..
- لأ بجد .. اشمعني
- عشان أبقي روائي كبير..أنا متهيألي لو أي حلاق كتب بس نص اللي في دماغه
هيبقي أعظم من دستوفسكي وتولستوي وديكنزونجيب محفوظ..
- أنا احترت فيك ..انت مش ملاحظ إنك كل مرة أسألك تقوللي حاجة مختلفة
يضحك ضحكته العذبة المغلفة بالمرارة
- يا شادي ..أنا من كتر حبي للدنيا بقيت باكرهها..عايز اليوم يبقي ألف ساعة
عشان يادوب الحق اعمل نص الحاجات اللي نفس اعملها..كتب عايز أقراها..
وأفلام عايز أشوفها ..وأغاني عايزأسمعها..وبلاد عايز أزورها ..وستات عايز أنام
معاها..وروايات وقصايد عايز أكتبها..أنا لو كنت عشت أيام ابن سينا وابن خلدون..
كان زماني بقيت زي الناس دول..بس في الزمن ده أنا ولاحاجة ..حيالله جراح تجميل..
- علي فكرة انت مكبر الموضوع قوي ..وواخد الدنيا جد أكتر من اللازم ..انت نسيت كلامك ليا..ولاباب النجار مخلع..وتاني حاجة أنا عمري ماقابلت حد بيستمتع بحياته قدك ..احمد ربنا ..كل الناس اللي ماشيين قدامنا دول لو سمعوك هيرموك في النيل فورا..انت أيه اللي كان بينك وبين صفاء وهبة؟؟
16
ربما كانت ملامحه غير متناسقة ورأسه صلعاء ..ولكن من ذا الذي يستطيع أن ينتبه
إلي قبح رجل ناجح وأنيق..أنيق أناقة عبدالوهاب والسادات وبيل كلينتون..يالك يأسامة يارفاعي من سوبر مان..كيف تجد الوقت والحماس لتفعل كل هذا بحياتك؟؟
لايبدو عليك أنك درت حول الشمس ما يزيد عن خمسين دورة ..بل هي التي تدور حولك ..كل من يقابلك لابد أن يدور حولك..كأنك تعيش خارج الظروف..وخارج المستحيل..فلا محل للإعراب لهما في قاموسك..الذي أحاول أن أتصفحه لعلي أصير يوما مثلك..في بيت فقير نشأت وهأنتذا تمتلك واحدا من أكبر المستشفيات الخاصة في مصر الجديدة..وما لاحصر له من الشقق والسيارات دون أن تمتد يدك إلي مال ليس لك.. ولديك كل الحق حين قلت لي ذات مرة بأنك لاتعمل من أجل المال ..المال هو الذي يعمل من أجلك..لاتفكر في المال كما يفكر فيه غيرك ..ومع ذلك لايكف عن التودد والتذلل بين قدميك..أعرف أنك تكره كراهية عمياء كل المفردات التي تجعلنا مجرد عرائس متحركة في يد القدر العابث..تكره الفقراء والعجزة الذين ينتظرون الغوث والمدد من كل أحد ..وكل شيء إلا أنفسهم وعقلهم وإرادتهم..الكل يتحدث عن الفساد الذي استشري في لحم الوطن كسرطان خبيث ولا يعرف أنه جزء منه .. الكل يرمي فشله وخيباته المتوالية علي هامات الرؤساء والقطط السمان دون أن يعرفوا أنهم فئران ذليلة وجبانة ومنسحقة ..لا يوجد أحد مظلوم في هذه الدنيا ..الكل ينال الحياة التي يستحقها..هذا ما تعتقده...والغريب أنك لاتعتقد في شيء سوي ذلك ..ونجاحك الواضح كالنهار يبرهن علي صحة ما تعتقده..أنا معك في كل حرف تقوله
رغم انني أعيش تحت خط الفقر..وتحت خط الفشل ..ولكنني أتشبث بالأمل وتلك القشة الواهنة في يد المستقبل الضحوك..أتذكر دائما كلامك ..النجاح لايعتمد علي مدي ما يمتلك الانسان من ذكاء أو موهبة ولكن علي مدي ما يمتلكه من حماس ورغبات مشتعلة ..لو يعرف الناس مافي كلمة الحماس من قداسة لعبدوها وصلوا وصاموا وحجوا حولها..اقترب من كل الاشخاص الذين يعيشون حياتهم بحماس..تنصحني دائما ..لذا أنت تكره الهدوء الساكن الميت ..وتعشق الصخب والضجيج والهيصة والزحمة ..لذا أنت تعشق أمريكا..بأفلامهاالمرعبة..وأغانيها الصاخبة..وملابسها المتحررة..ولغتها المتمردة ..وفلسفتها المجنونة ..وناطحات سحابها العملاقة ..ومشروباتها المنعشة ..وشبابها الغاضبين..الأموات لا يستطيعون بناء حضارة ..الاحياء فقط هم من يستطيعون ذلك ..والحماس هو الروح الذي ان انطفئت انطفأ الجسد كله ..وينبغي أن يكون هدف ..وينبغي أن تشعر أن الهدف مهم ..وأنه يستحق أن تموت من أجله..إن لم تستطع أن تعيش له وبه وفيه..
17
تعرفت علي مدحت جودة – صحفي بمجلة ثقافية لايقرأها سوي محرريها – في عيادة الجراحة ..شاب في الثلاثين من عمره .وملامحه قريبة الشبه من الممثل عمر الشريف ..وفي يده ديوان لشاعر يدعي عفيفي مطرلم أقرأ له من قبل ولا من بعد سوي شطربيت لم أستطع أن أنتقل منه للبيت التالي..كان يشكو من كبر حجم أنفه وسوء منظرها ويريد أجراء عملية تجميل في أقرب فرصة لأنه خلاص علي وش جواز..الواقع أنني صعقت ..كانت المرة الأولي في حياتي المهنية التي أري فيها إنسانا فائق الوسامة يري نفسه بكل هذا القبح ..والمدهش أكثرأنه مثقف ويقرأ لشاعرلايستطيع أحد فهمه في مصر سوي أشجار الجميز وروث البهائم..حاولت إقناعه بأن أكبر جراح تجميل في العالم لن يستطيع أن يجعل أنفه أجمل مما هي عليه..وكان واضحا انني أؤذن في مالطة عندما أجاب في قرف:
- إنت شكلك لسه دكتور امتياز ..ومش فاهم حاجة ..انا غلطان اني تصورت ان البلد دي ممكن يبقي فيها ذرة خير
بطيبة قاسية تعلمتها من فتحي عبد المجيد أجبته
- يبقي في المرات الجاية ماتبقاش غبي واتصور صح..القبح مش في مناخيرك ..القبح في دماغك وعينك ولسانك والديوان اللي في أيدك
فجأة لانت أساريره وقال بأسلوب أكثر أدبا
- ديوان ..هو حضرتك ليك في الشعر..
سرني أن يكون لردي كل هذا التأثير الايجابي ..واكتشفت لاول مرة بأنني أمتلك شخصية قوية دون أن أدري ..فيما مضي كنت أقابل الاهانة بالصمت العاجزالضعيف ..حتي الشخصية القوية يستطيع أن يكتسبها الانسان (إن أراد)..
أجبت بصوت ملؤه الثقة والغرور المتواضع متقمصا أسامة الرفاعي
- انا دكتور تجميل وشغلانتي اشوف كل الحاجات الجميلة في الدنيا
كالغريق حين يتعلق بقشة
- يعني حضرتك شايفني فعلا وسيم ولا مجاملة
بمرح قلت
- لو قوم لوط كانوا موجودين ولا ابو نواس كانوا جاوبوا بدالي
ابتسم حتي بدت نواجذه..وسرعان ما تحولت الا بتسامة إلي ضحكة ..وسرعان ماتحولت الضحكة إلي قهقهة مدوية وهستيرية ..كالبحر حين يقرر التخلص من الجثث والقذارات التي تراكمت فيه ليعود بعدها رائقا صافيا شفافا ..كالسماء حين تمطر لتتخلص من غيومها الملبدة ..كالمعدة حين تتقيأ لتتخلص من طعام فاسد ..كالمثانة والمستقيم ..كالعين حين تدمع ..كالعاصي حين يتوب ليبدأ من جديد..بدا أوسم بمراحل من عمر الشريف ..ولحظتها تأكدت من جملة أسامة الرفاعي بأن الضحك أرخص عملية تجميل ..أرخص من تعريفة وقرش صاغ ..ويبدو أن الحصول علي تلك العملة التافهة أصعب من الحصول علي الاوراق المالية الكبيرة نظرا لندرتها لقلة الاقبال عليها..فكرت في العدد صفر..هذا العدد الذي يحتقره الجميع ..ولكن وجوده جوار عدد آخر يضاعف قيمته بشكل مذهل ..وكلما كثرت الاصفارجوارعدد كلما ازدادت قيمته وعظمته ..فكرت في الاشياء التافهة والتي لايأبه أحد لها والقادرة علي إضافة الكثيرللقليل الذي نملكه ..الابتسامة ..الضحكة..الكلمة الطيبة ..اتصال هاتفي بصديق قديم ..رواية تقرأها أثناء سفرك..دعابة مبتكرة..أشياء صغيرة تتراكم فوق بعضها لتبني هرما من النجاحات المتوالية..بدعابة اكتسبت صديقا في هذا اليوم ..بدعابة جعلت يوم انسان قابلته أسعد .. أعاهد نفسي أن أفعل ذلك باستمرارقدر ما أستطيع..
18
علا الشربيني فتاة محجبة وتقاطيع وجهها لاتخلو من جمال..ولكنه الجمال المقبول الذي لايحرك غرائزي كرجل ..شعوري تجاهها صورةطبق الاصل من شعوري تجاه أختي رشا..في التاسعة والعشرين من عمرها ولكن أحدا لم يتقدم لها بعد ..ألمح في عيونها هذا الرغبة المتأججة في الحب (بمعانيه السامية والمنحطة)..ولكنها رغبة خائفة مذعورة مسحوقة وكأنها رغبة غير مشروعة ولايصح لها أن تفكر فيها مجرد تفكير..كأنها حين تفعل ذلك تخون جميع القيم التي تربت عليها ..كأنها تخون أباها وأمها وأخوتها الذكوروالمصحف الذي تحمله دوما في حقيبتها..ألمح في عيونها ألم الخطيئة الخيالية التي ترتكبها رغم أنفها ..ألمح الزمن وهويسير كغوريلا عملاقة ساحقا عصافير أحلامها البسيطة ..أحلامها في أن تسمع كلمة جميلة من رجل ..أن يضع يديه علي يديها في كافيه مطل علي النيل ..أن تلمح نظرة حسد في عين زميلاتها حين تنتحي جانبا وترد علي مكالمته الهاتفية التي قد تدوم لأكثر من ساعتين ثم لا تتذكر بعدها جملة واحدة مفيدة قيلت..ألمح في عيونها(وهذا ما يمزقني وأنا أقوله) مشروع مريضة نفسية ..وهذا ما لاحظت إرهاصاته في الايام الاخيرة ..عدم الرغبة في الحديث مع أحد ..مشاكل مستمرة مع تمريض القسم بسبب مشاكل تافهة ..خناقتها مع صفاء وهبة واتهامها لها بالكفر حين قالت صفاء أمامها بأن رجلا واحدا لايكفيها وأنها تتمني ان تعيش في أوربا لتعيش علي حل شعرها دون أن يتهمها أحد بالعهر..لم تكن المرة الاولي التي تسمع من صفاء هذا الكلام ..بالعكس كانت تقول عنها بأنها جدعة وبميت راجل وان الله سيغفر لها نزواتها بسبب طيبة قلبها وترفعها عن إيذاء أحد حتي بمجرد الكلام عنه في غيبته بما لايسره ..كانت علا قادرة علي رؤية الجوانب المضيئة في الشيطان نفسه..وكانت تتحمل تساؤلات فتحي عبد المجيد الفلسفية التي لاتخلو من زنذقة وتقابلهابابتسامة المتفهم الذي يبحث عن إجابة هو الآخر....ولكن يبدو أن لكل إنسان طاقة احتمال يفقد بعدها توازنه ويسقط حتي يتحول إلي شظايا ..ويدفعه الخوف من شماتة الآخرين فيه ألي مبادرتهم بالسب والقذف والتهديد ..وكأن لسان حاله ( لن أضيع وحدي ..سوف أهدم المعبد علي كل من فيه ..لن أكتئب وحدي وأترككم تضحكون ..لن أموت وأترككم تعيشون ..سوف أجعل حياتكم أشد تعاسة من حياتي ..وانا وانتم والزمن طويل)
19
إذا تأملت أصدقاءك ستكتشف بانهم هؤلاء الاشخاص الذين عاشوا طفولة تشبه طفولتك البائسة ..ويحلمون نفس أحلامك المتواضعة أوالكبيرة..ويعانون من نفس مخاوفك وعقد نقصك ..ومناجاتك معهم تشبه مناجاتك لنفسك ..لذا حين تجلس معهم يكون البساط أحمدي والنبي عربي وما في قلبك علي لسانك عدل بدون تجمل أو تحفظ..وطفولة مجدي خليل – رغم فارق العمر- تكاد تتطابق مع طفولتي بكل ما فيها من حرمان وجفاف وجدية ..وان كنت لاأتمني أبداأن أنتهي إلي ماانتهي إليه رغم أنني من أشد المعجبين بالسعادة الروحانية التي يعيش فيها ..المجد الذي وصل إليه أسامة الرفاعي يستهويني أكثر ..والملذات الجسدية التي يرتع فيها فتحي عبد المجيد تستهويني أكثر وأكثر..ولكنه قررأن يعيش بهذه الطريقة ..وأنا أحترم قراره ..هو لايحتمل الحياة المتوترة المشدودة اللاهثة ..ولا يجد سعادة في معرفة أكثر من أمرأة..ولا في اقتناء سيارة أحدث موديل ..ولافي السكني في فيلا تحيطها حديقة غناء..وأنا أشتهي كل ذلك ..أنه يردد مع سقراط حين وقف أمام محل زاخر بما لذ وطاب من السلع (ما أكثر الاشياء التي لست في حاجة إليها)..وهو محبوب من الجميع لأنه لا يتصارع مع الدجاج علي حبات القمح المبعثرة..يعيش علي مرتبه الضئيل الذي يتقاضاه من الجامعة عيشة مستورة ..وبقية يومه يقضيه مع محيي الدين ابن عربي والنفري وجلال الدين الرومي وحديث الروح والقلب يعشق كل جميل..
يقول لي بأنه فتح عيادة عقب حصوله علي الماجستير ولكنه لم يستطع أن يكون تاجرا وابن سوق مما اضطره إلي إغلاقها ..وفي هذه الاثناء التقي بأحد أقطاب الصوفية في مصر(سأستسمحكم في عدم ذكر اسمه) و وجد في هذا الطريق ضالته ..وتزوج من إحدي بناته وأنجب منها ابناوحيدا يدرس الآن بكلية من الكليات الأدبية المرموقة..
20
أنا الذي ينطبق عليه هذا المثل(أول ما شطح نطح)..لم أتخيل أبدا أن يصل فجوري إلي هذا الحد ..وأن تبلغ بي الجرأة والاستهتار إلي هذا المدي ..أن أنام مع أمرأة متزوجة في شقتها ..كانت الرغبة أعنف وأشرس من أن تدع لي ذرة عقل واحدة أفكر بها..بخبث شديد أستطاعت صفاء أن تستدرجني من حيث لا أشعرولاأعلم ..البداية كانت دردشة علمية ..والعلمية تحولت إلي شخصية ..ثم إلي صداقة بريئة..ثم كان الخروج في سيارتها لحضور مؤتمر علمي في أحد فنادق مدينة نصر..ثم أقتراح شديد البراءة منها في مشاهدة فيلم دينزل واشنطن الأخير في أحد سينمات سيتي ستارز..وفي السينما كانت القبلة الأولي ..تدعي الغضب وتأخذ شنطتها وتخرج والفيلم لم يزل في بدايته..أجري خلفها بسذاجة ضحية تحاول الاعتذار لجزارها..(اتضح لي فيما بعد أن صفاء وهبة تحترف اصطياد الرجال الذين ترغبهم بطريقة تعلمتها من فتحي عبد المجيد وبالتالي تعلمتها أنا منها بعد أن اشتد عودي)..
تفتح باب السيارة (لم ألحظ ضحكة عينها الخبيثة وقتها أو لاحظتها ولم أفهمها)..أقول متضرعا
- صفاء ..والله ما اقصد ..انتي اللي حلوة زيادة عن اللزوم
لاترد ..أفتح باب السيارة الآخر..أركب ..فترة صمت طويلة ..لا أعرف من أين أبدأ..الطريق شبه خال .. تتوقف ..نظرت إلي وعيونها تقول ..تصرخ.. تهمس.. تضرع.. تبتهل ( اغتصبني..أطفئني حتي لايتبقي مني غير رماد ..استعمرني مدينة مدينة..وانهب قصوري قصرا قصرا..واذبح واحرق واقتل حتي لايتبقي مني سوي أطلال)..ومن القمقم خرج هولاكو وجنكيزخان ليدمرا بغداد ..ومن القمقم خرج نيرون ليشعل روما ..وبخبرة عاهرة عجوزتدفعني بيدها لكي أتوقف عن التقدم بعد أن صار التراجع مستحيلا ..وتقول بنبرة قاطعة
- هنكمل عندي في الشقة .. جوزي هيبات عند مامته النهاردة ..والولاد بياكلوا رز مع الملايكة.
ولم يكن من الممكن لحظتها أن أفكر ..لقد صبرت علي الحديد حتي وصل إلي مرحلة من السخونة تجعله ينكسر بمجرد النفخ ..( سأتوقف الآن عن وصف ما حدث خوفا من أن تقرأ أختي رشا شيئا يهز صورتي أمامها كمثل أعلي )
21
أحمد حسين شخص متوسط الذكاء ولكنه قادرعلي إقناع الناس (المحدودي الذكاء وهم غالبية المجتمع) بأنه عبقري وفلتة زمانه ولم تلده ولادة ..وهو يفعل ذلك عن طريق الكلام والدي ع الودان ( اللي هو أمر م السحر)..دائم الثرثرة عن قدراته الجبارة في الطب ..وكيف أنه اتفحت في أيام الامتيازوبداية النيابة لكي يصل إلي ماوصل إليه ..وكلامه مرصوص بعناية شديدة تجعلك تبصم بالعشرة خلفه دون أن تتسلل إليك ذرة شك واحدة..وعبقريته ليست قاصرة علي الطب فحسب ..بل تمتد إلي كل المجالات ..في الكرة ..وفي السينما ..وفي التاريخ ..وفي الأدب ..وفي السياسة..وفي الاقتصاد ..بل وفي علم الفلك أيضا..وثقافته سمعية وسطحية بصورة مثيرة للضحك والغيظ في آن واحد ..ولكنه قادر علي ذكر بعض التفاصيل التي لايعرفها سوي المتخصصين وإن لم يفهمها..فمثلا عندما يجيء الحديث عن نجيب محفوظ يحد ثك عن أقل رواياته انتشارا(ليالي ألف ليلة) ويقول بأنها رواية عبقرية حيث استلهم العمل الخالد ألف ليلة وليلة بصورة غير مسبوقة ..وعندما يجئ الحديث عن ثورة يوليو يحدثك عن ضباط أحرار لم تسمع عنهم من قبل مع تطعيم الكلام بمواقف لايستطيع جمال عبد الناصر نفسه مراجعته فيها إذ أنها أتفه من أن يعرفهاأحد..حتي الكرة لايتابعها عن حب ..أنه قد يكتفي بمتابعة بعض التحليلات الرياضية ليقولها أمام الزملاء بثقة تجعل من لايعرفه يتصور أنه قد ولد في استاد القاهرة..والحقيقة أنه أبهرني في بداية علاقتي به ..وتصورت أنه أسامة الرفاعي القادم ..حتي جاء يوم ورأيته في غرفة الطواريء واقفا أمام جرح في أحد أوتار الأصابع (وهو ما يعتبر لمن مضي علي نيابته شهر واحد في الجامعة تحصيل حاصل) غارقا كالنملة في شبر ماء..كدت أن أقع علي ظهرى يومها من شدة الضحك.. الواقع أننا كزملاء له كنا فاقسينه وهارشينه تماما واستهترنا به .. ومن سخرية القدر أن يكون أول زملائه في الحصول علي الماجستير..وأن يفاجئنا ذات يوم بقدومه سائقا سيارة تويوتا كورولا 2007(بتاعته طبعا مش شغال عليها) ونحن نعلم أنه من قرية في أطراف الجيزة ..وأن أهله ناس فلاحين وغلابة علي قد حالهم ..ونفاجأ بزواجه من أبنة مهندس شهير وعضو في مجلس الشعب ..رغم أنفنا بدأنا نهتم به ..وبدأنا نضرب كفا بكف وهو يسير كالديك المخصي( الاسم الذي نسميه به فيما بيننا) في طرقات القصر..
22
ورقة من دفتر يوميات أسامة الرفاعي
في حياتي السابقة مسلسل من الصدمات ..كان يعقبها دائما فترات من الحزن والانطواء ..بعدها أستعيد عافيتي النفسية وأستمر..أيامها كنت أصغر من أن أفهم..وأقل من يكون لي موقف ورأي ..لذا كان هناك دائما برميل كبير في مؤخرة رأسي أرمي فيه زبالة همومي وعلامات استفهامي ورفضي وتمردي وأمنياتي المحبطة..والصدمة كانت عبارة عن اكتشافات ..والاكتشاف معناه أن هذه الاشياء كانت موجودة دائما ولكنني أنتبه لها للمرة الاولي..اكتشافي بأنني فقير ..والمنزل الذي أسكنه غير آدمي(في زقاق متفرع من حارة متفرعة من الشارع العام في صفط اللبن..وما أدراكم ما صفط اللبن) ..ومهنة أبي حقيرة (موظف في مجمع التحرير معدوم الدخل)..والملابس التي أرتديها بالية ..والشنطة التي أحملها خلف ظهري وأنا ذاهب إلي المدرسة الابتدائية مثيرة للسخرية ..وحذاء قدمي مثقوب ..وفانلتي الداخلية غارقة في دم البراغيث..ولايوجد في بيتنا الكثير من الادوات الكهربائية الحديثة ولاهاتف منزلي..وأنني لاأستطيع شراء الكثير من الكتب الخارجية التي أنا في حاجة إليها..في فترة الجامعة يتحول المراهق (المولود وفي فمه ملعقة ذهب) إلي عود مشدود الاوتار.. كل شيء حوله يدفعه إلي عزف أجمل النغمات وأشدها عذوبة ..فهو يبدأفي التعرف علي البنات الجميلات ..وارتياد دور السينما والمسارح والنوادي والبلاجات.. وقراءة قصص الجاسوسية والمغامرات والجريمة والخيال العلمي ..وممارسة هواية كالغناء ..أو العزف علي آلة موسيقية يحبها..أو كتابة الشعر العاطفي المشحون بكل سذاجة المراهقة ومثاليتها..أو التباهي بكثرة البنات القادر علي معرفتهن ..أما من عاشوا مثل ظروفي فإن النسيم العليل وهوا العصاري يكفي لقطع أوتارهم المشدودة..وفي تلك الفترة (في نهاية السبعينات)أدركت – دون أن أقرأ حرفا واحدا للفيلسوف العظيم سارتر- أن ما يصنع حياة الإنسان ليست ظروفه ولكن موقفه من تلك الظروف..يستطيع أن يخجل منها ..أو يتباهي بها..أو يتجاهلها..أو يعتبرها حجر عثرة في سبيل طموحه ..أو يعتبرها حافزا أهداه له القدر لكي ينطلق بقوة إلي تحقيق أسطورته الذاتية ..والموقف الأخير هو الذي اتخذته ..كرهت الفقر ..ولكنني لم أسمح له أن ينغص علي حياتي ..تمنيت أن أعيش وأتزوج من الطبقة الراقية ..وبدأت العمل من السنة الثانية في الكلية بالوقوف في صيدلية دكتور قريب لأمي من بعيد ..وتعلمت حقن الوريد والعضل والغيار علي الجروح وتركيب المحاليل ..وفي خلال عام واحد أصبحت أشهر دكتور ممرض في صفط اللبن ..كنت أذهب للبيوت حاملا حقيبة (مازلت محتفظا بها ) وأقوم بعملي كممرض علي أتم وجه ..ومن اللحظات التي لاتنسي حين كنت أعود للمنزل وأبدأفي عد الفلوس التي كسبتها ..وألمح الفرح وهو يقفز في عين أمى وأبي ..وأصبحت كل المستحيلات – في خلال ثلاثة أعوام – ممكنة..لاتحتقر ما يمكن أن يكسبه ممرض مجتهد حتي في أكثر الفترات ركودا..ولكن هذه الفترة لم تكن راكدة (نهاية السبعينات وبداية الثمانينات)..كانت هناك حالة من الانتعاش تشهدها القاهرة بسبب ارتفاع اسعار النفط وعائدات قناة السويس وتحويلات المصريين من بلاد الخليج واستثمارات المصريين في الداخل في بناء العمارات وافتتاح البوتيكات ..اشترينا شقة متواضعة في حدايق المعادي ولكنها – مقارنة بمنزلنا القديم – تعتبر قصرا ..تخيلوا بكم؟ ..بخمسة آلاف جنيه ..ودخلت بيتنامعظم الآلات الكهربائية من غسالة نصف اوتوماتيك وثلاجة إيديال (8قدم) وتلفاز ملون (21بوصة)ومروحة ناشيونال ياباني ..لم أخف يوما من فكرة التقسيط ..كنت أوقع علي وصولات الأمانة بكل ثقة ولدي يقين بأنني ساستطيع السداد دائما في الوقت المحدد مادمت أتنفس..في هذه الفترة تعلمت ألا أفترض السوء في المستقبل ولا في الحياة ولا في الأصدقاء ولا في الساسة الذين يحكمون البلد..ليس لأن هذا هو الواقع ..ولكنني تأكدت بأن هذا الافتراض سيضرني(علي المستوي النفسي والبدني والمالي) أكثر بكثير مما ينفعني..واحتقرت كل إنسان يدمن الاعتراض والشكوي والنقد ..احتقرت كل من يعيشون في دور الضحية ودور الشهيد حتي وأن امتلكوا ألاف الأدلة التي لاشك في صحتها..البعض اعتبرني انتهازيا ..والبعض اعتبرني غبيا وجاهلا وغير مثقف ..والأهم أنني اعتبرت أسلوبي وطريقتي في التفكير أكثر فائدة للمجتمع ولنفسي من شعاراتهم الجوفاء والعقيمة..وهاهي الأيام تثبت صحة ما اعتقدته ..أصبحت واحدا من أشهر جراحي التجميل في مصر ..والمرضي الذين عالجتهم ..والاطباء الذين علمتهم لا حصر لهم ..وعندما عرض علي رئيس الوزراء السابق منصب وزارة الصحة رفضت متعللا بظروفي الصحية ..لأنني أخذت عهدا علي نفسي في بداياتي أن أستمد قوتي وسلطتي من ذاتي وعقلي ومواهبي ..وليس من منصب شكلي ..يبدو من يتبوأه أنه سيد قراره ..والواقع أنه ليس سوي عبد مأمور ..ويتحدد طول بقائه فيه بقدرته علي الانسحاق والتلاشي تحت أقدام من يعلوه واستعداده الدائم علي تقديم فروض الولاء والطاعة..
23
حدثتني صفاء عن زوجها أحمد البلتاجي كثيرا وكم تمنيت أن أراه..قالت بأنه محاسب في البنك المصري المركزي وأنه وسيم وأنها تزوجته عن حب وأنه يؤدي واجباته الزوجية علي أنقص وجه.. وأنه مازال يحبها ..وقالت أيضا بأن الحب الحقيقي لانقابله إلا بعد الزواج ..وهو ما حدث لها حين قابلت فتحي عبد المجيد ..ولكن فتحي ليس له عزيز أو غالي.. ويسخر من عواطفها ولايري فيها إلا رفيقة عمل وفراش لاأكثر ولا أقل ..وقالت أيضا بأن الذي حدث بيننا نزوة يسعدها أن تتكرر حين تسمح الظروف..وقالت بأنها علي استعداد أن تعيش راهبة إذا أمرها فتحي بذلك ..ولكنه لايفعل ..ولايبالي بها أساسا إلا حين يعجز عن اصطياد امرأة جديدة ..وهو الأمر الذي يحدث كل فين وفين (موت ياحمار)..وقالت وهي تبتسم ابتسامتها اللامبالية المحببة بأن أسعد ما حدث في حياتها أخيرا هو نومها مع سائق تاكسي حاصل علي الابتدائية(يابنت الفاجرة)..وأغرب مافي الحياة أننا نتكلم دائما عن الأخلاق والمثل العليا إلا أننا لا ننجذب إلا إلي الخارجين عليها والمستهترين بها (لا تعترضوا ..أنا ابن الكلب الوحيد الذي ينجذب إليهم)..وقالت بأن زوجها يعرف حبها لفتحي الذي تردد اسمه كثيرا وهي نائمة ..وأحيانا تخطىء وتنادي علي زوجها باسمه ..وقالت بأنه ضربها ضرب موت إلي أن صرخت فيه (طلقني ..مش طايقاك ..احمد ربنا.. مش كفاية مستحملاك)..عندها أجهش بالبكاء كطفل ستتركه أمه..عندها انعقد لسانه ..هو يحبها ..ولا يستطيع الاستغناء عنها..كيف يترك المرأة التي تتحمله ..وتربي أولاده (أيمن وسمير)..والتي تحافظ علي وجاهته الاجتماعية(متزوج ومستقر)..إذا طلقها من أجل كرامته الجريحة سيضيع ..الزيجة الثانية ليست بالسهولة التي يتخيلها الواضعين أيديهم وأرجلهم في الماء البارد..إذا طلقها سيطلق الناس لأخيلتهم العنان ..وسيكون التفكير في عجزه الجنسي أو في خيانتها له أول ما يفكران فيه ..وسيحالفهم الصواب ..كيف سأواجههم بعد ذلك(ستنطلق كل هذه التساؤلات كالكلاب السعرانه في داخل جمجمته) ؟؟ وبأي وجه سأعاملهم ..وهم يتشككون في رجولتي ..نعم ..لابد أن نكون صرحاء ..في مجتمعاتنا تختلط الرجولة بالذكورة ..الرجولة ليست شرفا وأمانة وإتقانا للعمل واحتراما للكلمة والمواعيد ..الرجولة تتناسب طرديا مع ضخامة قضيبك والمدة التي يظل فيها محافظا علي انتصابه..وهم يفكرون في العجز والخيانة كأهم أسباب الطلاق لأنهم يعانون منهما (حتي علي سبيل الظن )..الكل يعتقد داخليا(في أعمق أعماق العقل الباطن) أنه ليس فحلا كما ينبغي عليه أن يكون..والكل يعتقد داخليا أنه ليس فارس أحلام شريكة حياته.. وهم يخشون أن يواجهوا أنفسهم بظنونهم الملعونة ..ولكن ما أسهل أن يتهموا غيرهم بها..ولحظتها يهنئون أنفسهم لسببين متناقضين تماما..الأول أنهم ليسوا كذلك ..والثاني أنهم ليسوا وحدهم كذلك ..والثالث (ماتعدوش ورايا) أن الآخرين لايعرفون أنهم كذلك .. لهذا السبب يكفي معظم الأزواج باجورا علي الخبرويستأنفون حياتهم وكأن شيئا لم يكن ..وبسبب هذا الطناش تنخفض معدلات الطلاق في مصر(ازدادت في الفترة الأخيرة ..وهذا مؤشر ايجابي جدا علي قدرة المصريين علي مواجهة الحقيقة القبيحة)..ولانريد أن نتكلم عن أشياء من قبيل الشقة من حق الزوجة (اثبت أنها خائنة لكي تصير فضيحتك بجلاجل ويشمت فيك من يساوي ومن لايساوي) ومؤخر الصداق (ويادوب اللي جاي علي قد اللي رايح) والنفقة والمتعة وعدد العادات السرية التي ستمارسها حتي تجد زوجة أخري(وستحل مشكلة الخيانة ولكن ماذا عن العجز)..هل عرفتم الآن كم كان أحمد البلتاجي عاقلا جدا حين أرتضي بالأمر الواقع (الزواج- كالسياسة-هو فن الممكن والقرارت العنترية تقضي عليه)..
24
عندما أري شخصا ملتحيا أفكر في أنه تكمن تحت كل شعرة من شعرات لحيته عقدة نفسية تنغص عليه حياته وحياة أسرته وزملائه ..وأنه تحت كل تقطيبة من تقطيبات جبينه حقل ألغام من الحقد والكراهية لكل ماهو ممتع وجميل في هذه الحياة..هو بالتأكيد شخص تعيس..ولايعرف ذلك ..ولايعرف سبب ذلك ..بل يحاول إقناع نفسه بأنه يسبح في نهر من حلاوة الإيمان ..وأن الملوك لو يعرفون حجم سعادته لحاربوه عليها بالسيوف..كل ما يعرفه أنه كان يعيش معيشة ضنكا حين كان ضالا ثم أنعم الله عليه بالهداية .. والضنك كان بسبب البعد عن الله ..وهاهو قد اقترب منه..وفرحته حين ينجح في حفظ بعض السور وبعض الأحاديث لاتدانيها فرحة..وخصوصا حين تسنح له الفرصة في استعراض محفوظاته في إمامة المصلين في صلاة جهرية أو في إلقاء خطبة عصماء عليهم عن العذاب الذي ينتظرهم بسبب ضلالهم وبعدهم عن الله (كم يتمني أن تنال خطبته إعجابهم لكي يحظي بشهرة شيوخ ودعاة الفضائيات)..
كل هذا دار في رأسي وأنا أتعرف علي صفوت شلضوم كنائب جديد في قسم جراحة التجميل..وكان توقعي الأول أن يصطدم بآراء فتحي عبد المجيد العلمانية (التي لا يميز الدينيون بينها وبين الإلحاد) ..وتوقعي الثاني أن يتقدم لخطبة علا الشربيني..
ولكنني عدت واستبعدت الثاني نظرا لفارق السن (4 أعوام)..ومن سخرية القدر أن يخيب التوقع الأول ويصيب الثاني ..وهو ما جعلني أتفاءل جدا بالمستقبل الذي ينتظر هذه البلد..كان صفوت ظريفا وابن نكتة وقادرا علي إضحاك سيراميك العنابر..لدرجة أن فتحي قال له يوما بصدق وهو مستلق علي قفاه من الضحك
- انت ما لكش حل ..قسما بالله انت لو مشيت في موضوع السيما لتمسح كل الكوميديانات الموجودين ع الساحة..
فأجابه صفوت
- لو ما كنتش أقسمت بالله .. كنت صدقتك..
- خلاص ياسيدي .. قسما بالطبيعة
- كده ..هابدأ افكر
خفة دم صفوت تنبع من تلقائيته الشديدة وقلة خبرته بالحياة مع ميله الشديد لأن يكون اجتماعيا وصايعا ( والصياعة هنامعناها الحنكة الشديدة في التعامل مع المواقف)..
- ياجماعة الدقن اللي انا مربيها دي دقن فنانين مش دقن شيوخ ..أعمل أيه يعني
عشان الناس البقر يفهموا..
- أصل انت شكلك مؤدب قوي يا شلضوم
- أنت طيب قوي يا شادي وعلي نياتك..يابني الصياعة أدب والشقاوة صمت..
الجميل والمدهش في صفوت أنه علي يقين كامل بأنه أصيع خلق الله ..وأنه لم يولد بعد من يستطيع إلباسه العمة ..وعندما يحدث هذا يقول بجدية يموت المعلم ولا يتعلم ..أو يدعي بأنه كان يقصد هذا ليرسم الضحك علي وجوهنا العابسة..
25
دائما ما يقابل كل جديد بالرفض والانتقاد ..وبمرور الوقت يحظي بمباركة شعبية منقطعة النظير..وهذا ما حدث مع الهاتف المحمول ..وكان الرفض غالبا بسبب العجز عن شرائه ..فقائل بأنه لافائدة منه سوي لرجال الأعمال ..وقائل بأنه لا هدف من ورائه سوي المنظرة والتنطيط علي خلق الله ..وقائل بأنه سيفسد الشباب..والواقع أن التباهي وإن كان رذيلة علي المستوي الفردي فهو فضيلة علي مستوي الجماعة ..فهو الذي يستفز الجميع علي اقتناء السلعة الجديدة التي سيتلاشي استخدامها السيء مع الوقت ولايبقى سوي استخدامها النافع..هذا حدث مع التلفزيون والثلاجات والمراوح والغسالات والموبايل ..فلا أحد يتباهي الآن بأنه يمتلك تلك السلع ..ولكنه لم يحدث حتي الآن مع السيارة التي لم تصل بعد
- فى وطننا العزيز- إلي مرحلة كونها وسيلة مواصلات مريحة لاأكثر..ومن يوم أن اشتري أحمد حسين سيارته التويوتا تضاعف احترام موظفو الأمن والنظافة تجاهه وتناقص تجاهنا ..وهو صار يتصرف بتواضع مصطنع وكريه(محدث نعمة بقي) ..في الماضي كنا نتقبله بثرثرته وادعاءته الكاذبة أما الآن (فصباح الخير ياجاري انت في حالك وانا في حالي)..وفي أحد خروجاتي مع أسامة الرفاعي جاءت سيرة أحمد حسين فسألته عن رأيه في شخصيته فقال
- أحمد حسين ولد ناجح ومجتهد
فاتسعت عيناي دهشة من رأيه وهو أول العارفين بمستواه الحقيقي في الجراحة
- طبعا انت مندهش أن أقول هذا الكلام ..ولكن تذكرأنني قلت لك من قبل بأن النجاح لا يحتاج ذكاء أو كفاءة بقدر ما يحتاج إلي حماس ونشاط ورغبة مشتعلة في تحقيقه..وهو يمتلك عزيمة شديدة علي إثبات وجوده..ويقوم بعمل شو جيد لنفسه..كما أنه يبذل أقصي ما يستطيع..من يوم استلامه العمل وهو لا يتأخر عن مساعدة من يأتي من أهل قريته إلي القصر..وبالتالي عندما فتح عيادة وثق الجميع فيه ..وكما تعرف أمراض القرية لاتحتاج طبا بقدر ما تحتاج معاملة طيبة وشوية هزار وهو سيد من يفعل ذلك..كل من ينجح يستحق النجاح ..وبدلا من أن تنتقد وتسخر وتقول
الحظ لما يآتى يخلي الاعمي ساعاتي ويدي الحلق للي بلا ودان والدنيا للموعودين
احترم النجاح واعرف أسبابه ..وبدلا من أن تشعر بالمرارة اشعر بالفرح لأن ماحدث له يؤكد أن الله لايضيع أجر من أحسن عملا ..وأن من جد وجد ..أنا عرفت أيضا أنه ارتبط ببنت المهندس رفعت الفخراني ..ولد هايل ..شد حيلك..
(كلماته تنزل كالسوط علي قلبي ..وتندفع كالسم في شراييني..والمصيبة أنني لاأملك غير الاقتناع بها فقط..وأتوقف عند هذا الحد ..وأكتفي بانتظار الفرج الذي لا يأتي ..آخري باين هاعمل زى مجدي خليل ولا طموح ولا كلام فارغ ..ما حدش بياخد من الدنيا حاجة ..والكفن من غير جيوب ..وحدوه)
26
بالأمس اكتشفت أنني متيم بصفاء وهبة عندما اتصلت بها أكثر من عشر مرات ولم ترد علي ..كدت أن أجن ..ولم أستطع أن أفعل شيئا طوال اليوم سوي انتظار اتصالها..سوي إشعال سجارة من أخري..سوي تخيل أنني سأفقد حضنها – جنتي- للأبد..بالأمس اكتشفت حقدي الدفين علي فتحي عبد المجيد ..علي قوامه الفارع ووسامته الساحرة ..علي ثقافته الموسوعية..علي أسرته الثرية ..علي عشق صفاء له..وبدا لي أن الدنيا كانت كريمة معه بقدر ما كانت بخيلة معى حد الشح ..لحظتها احتقرت كل شعارات أسامة الرفاعي عن الإرادة ..عن حرية الأنسان المطلقة في الوصول إلي الحياة التي يتمناها..لحظتها آمنت بتشاؤم ابو العلاء المعري..وعدت للاستماع إلي الأغاني الحزينة التي طالما سخرت من محبيها..تذكرت (جيت الحزينة تفرح ..وقلت لبختى رايح اتفسح ..وناس ليها بخت ..وياشبشب الهنا ياريتني كنت انا)..بالأمس حسدت الشعراء والموسيقيين القادرين علي التعبير عن مشاعرهم..بالأمس قررت أن أكتب قصتي التي انتهت مع صفاء..وعندما قابلتني اليوم عند مكتب الحضور والانصراف وابتسمت آمنت من جديد بروعة الحياة
..ولكنني أدركت هشاشة إيماني ..ما أحقر هذا الإيمان الذي يعتمد علي ضحكة أمرأة.. حتي وإن كانت امرأة في فتنة صفاء وهبة..وكان القرار الذي لا مفر منه..أن أبتعد عن امرأة استعبدت روحي..امرأة أحسست حين ضاجعتها أنها خلقت من ضلعي..امرأة لا أكف عن اشتهائها..قررت أن أخرج من رحمها لكي أواجه الدنيا عاريا مرة أخري..عاريا من حنانها ..من صوتها..من سؤالها عني ..تيقنت أن ابتعادها حتمي ..والألم حتمي ..فاخترت ألما أقل قسوة ..وقلت لنفسي ألم أختاره أرحم بكثير من ألم أجبر عليه..
27
ولكن هذا لم يحدث .. لم أستطع الابتعاد كما عزمت (عيل ورجعت في كلامي)..بعد يومين لم أتحمل الأيام وهي تمضي دون أن تتعطر برناتها ورسائلها القصيرة واتصالاتها الهاتفية الطويلة ..لماذا نصر علي اختزال أفراحنا بحجة أنها ليست دائمة؟..والحياة نفسها ليست دائمة(نروح ننتحر يعني عشان نتبسط)..
قال لي فتحي عندما أخبرته بقراري
- انت ياد حمار..حد يرفس النعمة..واحدة مش مكلفاك أي حاجة ووقت ما تعوزها بتلاقيها تخسرها ليه..وقت ما حريمك يكتروا..ابقي اتنيل سيبها..انت مش شايف الناس بيدفعوا اللي قدامهم ووراهم عشان يتجوزوا بنات ضفرها برقبتهم..اتصل بيها
- ممكن ماتردش
- لحد إمتي هتفضل عبيط..صفاء عدت من زمان مرحلة المراهقة اللي انت لسة عايش فيها..
وكان لديه حق (هوانا ليه غاوي فقر صحيح؟؟)..
- دي بتعشقك؟
يضحك ضحكة خبير..وبدا أنه قد نفد صبره من سذاجتي
- بتقولك كده عشان تجننك بيها أكتر..ويوم ماردتش علي اتصالك وقفلت موبايلها
كان لنفس الهدف..صافي ما بتحبش الرجالة اللي عدوا الاربعين..أنا وأسامة الرفاعي
راحت علينا..
فرحا ومذهولا
- ود.أسامة الرفاعي كمان؟؟
28
لانهاية للمفاجآت التي تختبيء في جعبة أشخاص نظن أننا قد عرفنا عنهم كل شيء
وهذا ما يعطي الحياة نكهتها الحلوة والمرة في آن واحد..كلما بنيت فكرة متكاملة عن شخص ظهرت لي معلومة جديدة لتهدم كل ما بنيته وهي تخرج لي لسانها..لن أتكلم بالطبع عن البلبلة الشديدة التي أعانيها بما يخص تكوين رأي محدد وقاطع بالنسبة للزعماء السياسيين أمثال جمال عبد الناصر والسادات وحتي الرئيس الحالي حسني مبارك ..وما أكثر الجدل الفكري الذي يدور عنهم في سكن الأطباء ما بين محب وكاره ..والجميع لديه أدلته ومراجعه ..ويقول شوكت حمزاوي- مدرس العظام- باستفزازه المعهود
- هذا جدال عقيم ولا فائدة منه
فيرد عليه حيدر – مدرس الجراحة- وهو شاب مغرم بالكتب الفلسفية
- لا يوجد جدال عقيم يا شوكت ..والحوار دائما أفضل من اللا حوار حتي إن أنتهي بخناقة ..علي الأقل هو الذي يدل علي أننا أحياء ولم نمت بعد ..والذين قالوا السكوت من ذهب رجال عواجيز ومصابون بالزهايمر..كل الحضارات العظيمة قامت علي الجدال وتصارع الأفكار..ألسنا نصف كل كتاب عظيم بأنه مثير للجدل..
ولم يجد شوكت ما يقوله ويحفظ به ماء وجهه المراق سوي الهجوم الوقح
- انت عشان قريت كام كتاب مكتبة أسرة هتعمل فيها سقراط ..ياريت ياحيدر يبقي لك أفكارك الخاصة وبلاش تردد كلام غيرك زي البغبغان ..
بهدوء شديد أجابه حيدر دون أن يتخلي عن دماثته
- ياريت ابقي بغبغان غلباوي بنص لسان عشان اعيش مع وردة في شقة واحدة
للإيحاءات والتلميحات الجنسية قدرة طاغية علي رسم الضحكة علي أكثر الوجوه كآبة ..فجأة انقشعت غيوم التوتر وحل ربيع البهجة في جلستناوتوالت التعليقات
- وردة(تنهيدة ساخنة) .. دي عليها رقبة مالهاش حل
- يابخت بليغ حمدي .. الراجل ده ما عتقش
- سامحوني يأهل مصر
- بعد نسوان السبعينات مافيش نسوان..وردة وشمس وميرفت ونجلاء ..كتنا نيلة في حظنا الهباب
- ياراجل دا مسلسل الحاج متولي فيه كام صاروخ أرض جو ..اوعى وشك و......
- أنا النهارده جالي طلقة في العيادة ..من حسن الحظ كنت لابس جينز.. بتقوللي صدري تاعبني ..فحصته وسألتها التاني تعبان كمان..قالتلي أكتر م الأولاني
- وطبعا عملتلها رسم قلب
- دا روتين يازعيم .. عيب عليك..إحنا ناس بنراعي ربنا في شغلنا..
- ربنا يزيد إيمانك كمان وكمان
- يسمع منك يا صاحبي
29
هل حدث لك من قبل أن التقت عيناك بعيني فتاة – تقابلها للمرة الأولي- فتوقفت عن كل ما تفعله وكل ماتفكر فيه لتتذكرأين قابلتها من قبل..ويخبرك الموظف الذي يعمل في أرشيف ذاكرتك بأن الملف الذي تبحث عنه غير موجود فلا تصدقه وتتهمه بالإهمال والتقصيروتأمره بأن يقدم استقالته..أيهما تصدق؟ذاكرتك الحديدية أم إحساسك الغامض ..وستتساءل متي تبدأ الذاكرة ؟هل عند الميلاد ؟أم أن الذاكرة كالتاريخ.. سنوات قبل الميلاد أضعاف أضعاف (إلي ما لانهاية)مابعدها..أما أن الذاكرة كجبل الثلج الذي لايبدو منه فوق الماء إلا قمته ..أما أن الذاكرة كالحلم لا نعرف إلا نهايته وعبثا نحاول فهم فيلم من مشهده الأخير..هل حدث لك من قبل أن قابلت ميادة رمزي؟تلك الفتاة التي ينبغي عليك أن تحبها قبل أن تراها كشرط أساسي لظهورها في حياتك..تلك التي لن يكتشف جمالها أحد سواك ..تلك الساحرة التي لا يمارس سحرها مفعوله إلا عليك..ووقتها ستنال هذا اللقب الأبدي (مجنون )..وهو لقب ستشرف به ولن تخجل منه ..ووقتها ستتأكد أنك حفيد مجنون ليلي وكثيرعزة وجميل بثينة وغيرهم من أولياء العشق الصالحين..وجنونك سببه أنك رأيت ما لم ير الآخرون ..وأجمعت علي مالم يجمعوا عليه..نعم هناك امرأة كصفاء وهبة لايكاد يختلف عليها اثنان ..فهي أنثي كما يقول الكتاب..كتاب الشهوة والغريزة ..الشعرالفاحم والجبين الوضاء والحواجب المرسومة بعناية والعيون الواسعة والشفاه المتوحشة والنهد النافر والخصر المختنق والأرداف الممتلئة والفخذ الرخامي والساق الملفوف والكعب المدور والقدم الصغير..
أما معبودتك فتخضع لمقاييس أخري..مقاييس لايستوعبها العقل وتجهلها الحواس وتعجز أمامها كل اللغات.. وستحوم حول أسوار حديقتها لتعرف أتفه تفاصيل حياتها..اسمها بالكامل.. رقم شقتها..لون جدران غرفتها .. أسماء أخوتها الصغار..
مقهي أبيها المفضل..صديقات طفولتها..مواصفات فتي أحلامها..برجها..طقوسهاأثناء المذاكرة..كل شيء ..كل شيء سيصبح له معني لأنها نظرت إليه ولمسته بأصابعها المقدسة ..الكتب التي تذاكر فيها .. البالطو الذي ترتديه ..الكرسي الذي تجلس عليه..الطرق التي تسير فيها..السينما التي تدخلها..ماركة الموبايل التي تقتنيه..كانز الكولا الذي تشربه الآن وهي تجلس مع زميلاتها في غرفة الاستقبال..آه..ليتني كنت فتاة مثلها لكي أنعم فقط بصحبتها(الله عليك يا شادي يارومانسي بالجامد قوي..فين نزار قباني عشان يتعلم..بس يا جماعة ما تفهموش من الجملة الأخيرة حاجة كده ولا كده .. قدموا دايما حسن الظن)
( ملاحظة: المشاعر السابقة تنتابني كلما قابلت فتاة جميلة..وبمجرد أن أعرف أنها بتاعة جواز.. وليس لها في الحوارات التي تعرفونها..أنساها تماما..وأبدأ في البحث عن مغامرة جديدة..وهذا ما حدث مع ميادة..عندما أحسست أن الوصول إليها مستحيل خارج الإطار الشرعي ..انسحبت وياقلب ما دخلك شر..)
30
منذ خناقتها مع صفاء وهي لا تتحدث معي إلا في حدود العمل وبوجه محايد وصارم.. واحترمت الموقف الذي اتخذته داعيا الله في سري أن تتجاوز أزمتها..وعندما جاء صفوت شلضوم تصورت أن يحدث انسجام بينهما واستبشرت خيرا لها ..ولكن سرعان ما تبين لي أن صفوت لا متدين ولا يحزنون ..وبالتالي تيقنت أن غيوم علا الشربيني مازال أمامها وقت طويل حتي تنقشع ..ولكنهااليوم ألقت على تحية الصباح بما يليق بمودتنا القديمة فضحكت وقالت بنبرتها الباسمة الودودة
- معلش يا شادي ..أنا عارفة إنك أكتر حد فاهمني في القسم ..ومش محتاجة اعتذرلك عن أي حاجة..
- علا انت عارفة إننا اخوات مش زمايل بس
- طبعا يا شادي
أعرف أنها تحبني .. ولكني لم أستطع أن أشعر تجاهها بأكثر من حب الأخ لأخته وهي اضطرت أن تتقبل ذلك بعد أن فقدت الأمل في أي حب آخر..
- أنا عايزة اكلمك في موضوع يخصني ..بس ياريت ما حدش يعرف ..
- خلاص تمام .. بعد ما نخلص لستة العمليات .. تعملنا كوبايتين شاي بإيديكى الحلوين دول ونتكلم
- اسكت ..انت كل هزارك حرام كده ..انت كنت محترم أول ما جيت ..وفتحي بوظك
- قصدك اكتشفني ..
قالت وهي تتركني ضاحكة
- غرورك هيوديك ورا القمر
وشعرت بارتياح ورضا عن ذاتي .. فما أجمل أن يتهمني أحد بالغرور..نفس التهمة التي يوجهونها إلي أسامة الرفاعي (مثلي الأعلي)..
31
عندما أجلس مع امرأة – بشرط ألا تكون قبيحة- أتعمد اختيار مكان يراني فيه الجميع مستمتعا بنظرات الغبطة والحسد في عيون الزملاء ومنتشيا بنظرات التساؤل والفضول في عيون الزميلات..وأفضل مكان في القصر العيني طرقات الاستقبال..
ولكن مع علا فالمطلوب هو مكان بعكس المواصفات السابقة تماما..وليكن حجرة الأطباء بالقسم ..بدأت هي
- شادي ..هازعل منك جدا إن حد عرف حاجة من الكلام اللي هاقوله
- إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق
- أنت ما حدش يعرف يتكلم جد معاك مرة
ثم ابتلعت ريقها وأخذ وجهها سمت الجدية وببسكوت الفرح مغموس في شاي الحزن قالت وهي تحاول ضبط انفعالاتها
- صفوت شلضوم اتقدملي
حتي الأشياء التي نتوقعها دوما ما تفاجئنا..ربما لأن القدر يثق في أحاسيسنا أكثر من ثقتنا نحن فيها..
سكت للحظات حتي أستوعب ما قيل ..في لحظة واحدة كنت مطالبا بتذكرمليارات اللحظات التي عشتها مع صفوت .. كنت مطالبا بإصدارالحكم علي إنسان في كلمات معدودة..واضعا في رأسي أن الكلام السيء يصل إلي أصحابه بطريقة غامضة لم يتوصل إليهاالعلم الحديث حتي تلك اللحظة..ومستحضرا شريط حياة علا كما حكته لي وكما رأيت ..ومتخيلا مستقبلهما معا ..باختلاف مزاجهما وتربيتهما وطموحهما ورغباتهما المكبوتة ..ومانعا نفسي من فرض وجهة نظري في الحياة علي حياتها خوفا من ان تعتقد ذات تعاسة أنني سببها..في لحظة واحدة وفي كلمات معدودة كنت مطالبا بإبداء رأي يسعدني لاشك أن يهتم به أحد ويحزنني أن أتحمل تلك المسئولية ..وأنا العاجز عن تحمل مسئولية ذاتي ووجودي..رأي ..عبارة عن بضع كلمات ..قد تقوله بمنتهي التهور والثقة واللا مبالاة فيتغير مجري حياة إنسان..كالحجر تلو الحجر ترميه في النهر فيتحول إلي طوفان ..كالسجارة تشربها تلو السجارة فتتحول إلي سرطان ..
- شادي انت رحت فين
- معاكي طبعا
- أيه رأيك فيه
للمرة الأولي أفكر فيه بجدية..صفوت شلضوم ..المهنة طبيب جامعي..مركز اجتماعي مرموق..بياض بشرته ونظافتها وسكنه في المعادي مؤشر علي مستوي مادي معقول ..ظريف .. لكنه غبي وقليل الخبرة وليس له خرابيش .. يعيش في عالم من المثاليات أبعد ما يكون عن عالمنا..أما علا فعفتها فرضتها الظروف عليها وبداخلها رغبة مجنونة للانفلات ..ربما تعويضا لمراهقتها المحرومة والمكبوتة ..المراهق الموجود بداخل كل إنسان لابد أن يعبر عن نفسه ذات يوم..وتصور شلضوم عن المرأة هو تصوره عن أمه وأخواته البنات ..هو تصوره عن مريم العذراء..يعتقد أن المرأة تحب الرجل المؤدب الخجول الهادئ..هذا ما تعلمه منذ صغره ..ذاكر..صلي..كما تدين تدان ..لاتضيع وقتك في الكلام الفاضي ..إياك أن تفعل مثل الأولاد قليلي التربية والحياء وتغازل بنتا..عيب..حرام..هتروح النار..كهذا نشأت أنا أيضا وكثيرون ممن ينتمون إلي نفس طبقتي وتعليمي..ولكنني قابلت فتحي عبد المجيد وأسامة الرفاعي وصفاء وهبة وتحررت أو بمعني أكثر دقة انتبهت إلي عقد نقصي ..كنت أفهم طوال دراستي أن هناك شيئا خاطئا في تربيتي..ليس بمعيارالصحيح والخاطىء..ولكن بمعيار الواقعي وغير الواقعي ..العصري وغير العصري..ما يصنع إنسانا سويا وما يصنع إنسانا مريضا.. كل هذه الأفكار دارت في رأسي في أقل من فمتو ثانية..
- اسمعيني يا علا ..دا قرارك انتي لوحدك ..مش قرارأي حد تاني..كل اللي اقدر اقولهولك إنه محترم وابن ناس ودمه خفيف وجدع
(كدت أن أقول لها بخيل جلدة ومسكت لساني بأعجوبة) ..انتي أهم شيئ ما تتسرعيش وادي نفسك وقت كفاية قبل ما تاخدي أي خطوة..
- أنا خلاص رفضت الموضوع ..هوانا اصوم اصوم وافطر علي بصلة..بس بيقوللي إنه مش قابل رفضي..
ولحظتها تحولت اللحظة التراجيدية إلي كوميدية ..ومن يستطيع أن يفعل ذلك سوي صفوت شلضوم (الصايع آخر حاجة)..
32
عندما أخبرت مدحت جودة عن رغبتي في كتابة رواية ونحن نجلس علي مقهي التكعيبة (نحتسي الشاي وندخن ونسترق النظر إلي المزز المثقفات الجالسات بجوارنا) رفع حاجبيه مندهشا وقال باستظراف كرهته
- مساء الفل يادكترة..ياباشا ركز في طبك ..كتابة الرواية أكبر من الفكرة الرومانسية اللي انت واخدها عنها..أنا باكتب في رواية بقالي أربع سنين مش عارف أخلصها..الكتابة كل يوم فيها اكتشافات جديدة زي الطب تمام..
كنت في هذه الفترة منتهيا لتوي من قراءة (عمارة يعقوبيان) لعلاء الأسواني ومعجبا بها أشد ما يكون الإعجاب(لماذا لم يعد أحد يستعمل المفعول المطلق في الكتابة؟بقي كخة ولا أيه) ..بشخصياتها الحية ولغتها السلسة الواضحة وتأملا تها الرشيقة والعميقة دون تقعرأو غموض..وتولدت بداخلي الرغبة أن أكتب عن التجارب التي مررت بها بنفس الطريقة ..ابتلعت نفوري من رده العقيم وسألته
- أيه رأيك في عمارة يعقوبيان؟
بطرف أنفه
- زفت!!
- والنجاح الجماهيري الرهيب اللي حققته
- مش مقياس ..أرزاق ..آدي دقني لو كتب حاجة بعد كده تتقري ..
- ومين في رأيك الروائي اللي يتقرا في مصر دالوقت؟
أخذ في سرد أسماء لا أعرف عنها شيئا(لاداعي لذكرهم لأسباب لاداعي لذكرها أيضا)..قلت لنفسي ربما كان علي صواب وقررت أن أشتري عينة من الروايات التي ذكرها لي من الهيئة العامة للكتاب في ميدان الجيزة ..كانت تلك المكتبة الوحيدة التي أعرفها في ذلك الوقت إذ كنت أعتمد اعتمادا كليا علي استعارة الكتب من فتحي عبد المجيد (صاحب الفضل الأكبر في تثقيفي وقدرته الرهيبه علي اختيار الكتب التي تخلق قارئها من جديد)..كان فتحي أيضا مؤمنا بنظرية الحظ والأرزاق فيما يتعلق بالناجحين في كل المجالات ولكن ليس إلي درجة التحقير التي وصل لها مدحت جودة علي عكس أسامة الرفاعي الذي كان يري وراء كل ناجح(وخصوصا علي المدي الطويل) سرا عظيما يستحق الدراسة..تريدون معرفة رأيي في الروايات المواكبة لأحدث التغيرات العالمية في تقنيات السرد؟..إجابتي قالها محجوب عبد الدايم في (القاهرة الجديدة)..طظ م الآخر..أموت واقابل واحد قرا رواية بعد ما شافها فيلم( أكيد هيبقي شخص خنيق ومليان كلاكيع)..
33
من أمتع اللحظات في حياتي وقت المرور علي المرضي في تمام العاشرة صباح كل يوم سبت ..إذ أنه الوقت الذي يجتمع فيه أسامة الرفاعي وفتحي عبد المجيد وصديقي الجميل حيدروفاتنتي صفاء وهبة ..ولا يستغرق النقاش في الطب سوي بضع دقائق .. بعدها ينفجر فتيل النقاشات عن أزمة أوديب
(طنش تعش تنتعش)
(الواد اللي متعلق بإمه زيادة عن اللزوم..اتفرج علي فيلم السراب)
وهاملت
(مافيش صراع..مافيش حياة)
(أكون أو لا أكون)
(القذافي بيقول شكسبير أصله عربي واسمه الحقيقي الشيخ زبير)
وشهريار
(ورحلته من الحيوانية إلي الحب إلي الفلسفة..لازم يرجع للحيوانية تاني عشان ما ينتحرش..راجع مسرحية توفيق الحكيم)
(هارون الرشيد شهريارولا كان بيحج عام وبيغزو عام)
عن الحرام والعيب في رأي يوسف إدريس..
(اكتشاف قوانين الوجود)
(حلقة شاهد علي العصر اللي سجلها مع عمر بطيشة تحفة..حاولوا تسمعوها..علي فكرة نزلت في كتاب)
عن أحلام فترة نقاهة نجيب محفوظ..
(يكاد يكون جثة هامدة ومع ذلك مصر علي التفكيروالإبداع ..عظمة ياعم نجيب ..سوبرمان بجد)
عن العصر الذهبي للقاهرة في عصر المماليك العظام(1260- 1517) قبل الاحتلال العثماني..(تخيل كل المباني المملوكية القديمة وهي لسة جديدة..القاهرة كانت حاضرة الدنيا)
عن القصص القرآنية بين العبرة الفنية والحقيقة التاريخية
(الله يرحم أمين الخولي ..ونعم رجل الدين المستنير) ..
عن الإسلام وأصول الحكم ..
عن شخصية مصر(جمال حمدان وعبد الحميد يونس)..
عن طبائع الاستبداد في رأي عبد الرحمن الكواكبي..
عن محمد علي والخديوي إسماعيل وجمال عبدالناصروالسادات..
عن ماذا حدث للمصريين في رأي جلال أمين..
عن الفتنة الكبري في رأي طه حسين..
عن العلاقة بين الشرق والغرب في موسم الهجرة إلي الشمال وقنديل أم هاشم..
عن الذين علموا سلامة موسي وعلموا الدنيا كلها..
عن نظرية النسبية
( عايزين تفهموها..اقروا كتاب مصطفي محمود)
(اللون ابيض مش ابيض والخط المستقيم مش مستقيم..حد فاهم حاجة)..
عن دع القلق وابدأ الحياة
(ديل كارنيجي بعد ما كتب الكتاب العظيم ده انتحر..انتحار المسلم كفر ..وانتحارالكافر.........أكمل) ..
عن فتوة صلاح أبوسيف(خد بالك من قفاك) وأرض يوسف شاهين(ما نمضيش علي حاجة مش عارفينها يابلد) ..
عن رباعيات الخيام
(ياربي هل يرضيك هذا الظما والماء يجري من حولي زلال)
وصلاح جاهين
(أوصيك ياربي لما اموت ماتدخلنيش الجنة..للجنة سور) ..
عن بيتهوفن وموزار وفاجنر
(نيتشة كان بيكرهه عشان خطف المزة بتاعته)..
عن الرقص الشرقي وسامية جمال
(من قاع الفقرإلي قمة المجد )
وتحية كاريوكا
(عبقرية التصالح مع الزمن والحياة)
والهرم الرابع فيفي عبده
وفيلم دينا الفاضح..
عن عبقرية الأمثال الشعبية ..(راجع كتاب العلامة أحمد تيمور باشا)
عن التوم والبامية في بلكونات الطبقة المتوسطة
(يارب تنقرض)..
عن العنب العنب العنب..
عن أشهر النصائح التي يوجهها الآباء لأبنائهم..
عن آخر قفشات احمد فؤاد نجم
(أجمل نباتين علي وجه الأرض الشاي والحشيش) ..
عن رجوع الشيخ إلي صباه..
عن كليلة ودمنة
(وكيف حدث هذا؟)..
عن سهر الليالي والتجربة الدنماركية..
عن ثقافة التقليد وثقافة الإبداع..
عن لغز11سبتمبر..(راجع رواية جورج اورويل 1984)
عن مستقبل الشرق الأوسط ..
عن أسباب نهضة الأمم..
عن مقدمة ابن خلدون..(البرد الشديد سبب تخلف أوربا واحنا النهاردة بنقول الحر سبب تخلفنا!!)
عن قارئة الفنجان
(وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان)..
عن الحسد والجن والعفاريت..
عن الكبت الجنسي والزواج المسيار..
(االتفريش في رأي جمال البنا لمم ومن الصغائر )
عن إرضاع الكبير ..
عن الثورة التكنولوجية والبيولوجية وبداية أفول الحضارة الصناعية بكل أفكارها وقيمها والعلاقة التي تفرضها بين الحاكم والمحكوم
والابن والأب والزوج والزوجة والعبد والإله..
( يانهار مش فايت ..الناس دول عرفوا الكلام ده أمتي وازاي..دول يإما شياطين يإما مجانين ..أنا كنت فين .. أكيد كنت عايش في كوكب تاني..دنا كل اللي في دماغي أركان الإسلام الخمسة ..وقصة الصقر الجريء ..وذاكر ياشادي عشان تبقي دكتور قد الدنيا ..ويوم ماحبيت اقرا رجل المستحيل بابا هاج وماج وقاللي هات كتب السنة الجاية وذاكر فيها أحسن من قراية الكلام الفاضي ده..وطبعا ما كانش ينفع أقول غير حاضر ونعم يابابا ..مش ربنا بيقول ولا تقل لهما أف ..وتاني شيئ هو راجل كبير وعنده خبرة وعارف أكيد اللي ينفع واللي ما ينفعش ..أحنا ليه فقرا يابابا؟؟ تجاوبني ماما عشان ربنا عايز كده ..خلق الناس درجات ..والدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر..كل ما تتعذب في الدنيا أكتر كل ما يكون ربنا راضي عنك ..طيب انت ليه ياماما بتتخانقي مع بابا عشان المصروف
بتاع البيت وعايزاه يشتغل بعد الضهر .. طيب ليه ياماما خالتي فاطمة وجوزها كانوا فقرا وبقوا أغنيا ..عشان جوزها سافر الكويت ..طيب ليه بابا مش بيسافر الكويت هو كمان..عشان الموظفين اللي زيه مش بيسافروا..طيب ما يسيب الوظيفة ويشتغل زي أونكل ماجد عشان يبقي غني زيه..خش اتخمد نام عشان وراك مدرسة الصبح..ماما أنا باكره المدرسة ..مش عايز اروحها خالص ..الأساتذة بيحبوا حمادة ابن الناظر أكتر مني مع إني أشطر منه وبيخلوه رئيس الفصل ..وما بيضربهوش لما ما بيعملش الواجب ..والبنات في الفصل بيفضلوا يلعبوا معاه في الفسحة وما حدش بيلعب معايا..وبيفضلوا يتريقوا ع البلوفر المقطوع بتاعي ..ماما أنا عايز بلوفر جديد..لما ربنا يفرجها..بقالك تلت سنين بتقوليلي كده وربنا مش بيفرجها ..انت هتكفر..استغفر ربنا عشان ما يزعلش منك ويدخلك النار..والله مانا مستغفر لحد ما يفرجها عشان تجيبولي بلوفروما حدش يتريق عليا وكمان مش هاروح المدرسة..والنتيجة علقة محترمة خليتني استغفر غصبن عن عين اللي خلفوني...)
34
نعمة ممرضة في التاسعة عشر من عمرها ..استلمت العمل منذ حوالي شهرين في قسم التجميل..وبدون أدني مبالغة هي أجمل ممرضة في مصر(سحلية تحل من علي حبل المشنقة)..منذ فترة أحاول تثبيتها بطريقة اللعب في الدماغ والتحريض علي الاستمتاع بالحياة وعدم الاستسلام للجحيم الذي تعيش فيه (علي طريقة محمد فوزي مع مديحة يسري في معظم أفلامه..مالوش حل)..وكان واضحا أنها مبهورة بالكلام الذي أقوله (هل يستطيع أحد ألا ينبهر بوسوسة الشياطين؟)..وظللت أتخيل مدي النشوة التي سأشعر بها عندما أتمكن منها..لحظتها لن يكون أحد في العالم أسعد مني ..حتي حدث مالم يكن في الحسبان..فوجئت بوالدتها – وأنا أجلس في حجرة الأطباء بالقسم- داخلة علي وعفاريت الغضب تقفز في وجهها(لم أمتلك وقتها ترف التعجب من أن تنجب هذه الحيزبون غزالا كنعمة)
- أنت دكتور شادي عبد السلام
- أيوه..مين حضرتك
- أنا ام نعمة يازبالة يامعدوم التربية والأخلاق..أيه اللي انت عايزه م البت يابن الكلب يارمة..لو انت ابن حلال ما تعملش كده بس انت ابن حرام ..الله يلعن اللي خلاك دكتور..
وفجأة خلعت شبشبها وانهالت به علي أم رأسي..ولم ينقذني منها سوي العمال وبعض المرضي المحجوزين بالقسم الذين تسمح لهم حالتهم بالنهوض من السرير..لا أعتقد أن هذا الموقف يحتمل أي تعليق ..كل ما يمكن أن يقال أن الزلزال- بكل جبروته - أرحم بكثير من توابعه..
35
مالذي فعلته بنفسي؟..الله يلعن اليوم الذي عرفتكم فيه يامن تسببتم في سيري في هذا الطريق..ام نعيمة لديها حق في كل ما قالته..أنا لا أستحق أن أكون طبيبا..سامحني يارب ..لقد ابتعدت عنك وعن طريقك القويم ..ساعدني أن أخرج من تلك المأساة وأعاهدك ألا أعود لمثلها أبدا..حقا من يعرض عن ذكرك فإن له معيشة ضنكا ..حقا من يعرض عنك جعلت فقره بين عينيه..في لحظة واحدة انهار ما بنيته طيلة عشرين عاما من السهر والكد والتعب ..انهار مستقبلي في الجامعة تماما..بأي وجه بعد اليوم أقابل الناس ..الجميع يحتقرني..يبصق علي..لن يثق أحد في بعد اليوم..هؤلاء الشياطين هم السبب في دماري..ولكن لماذا لم يفضحهم الله؟؟لأنه يحبني..وأرادني أن أتوب قبل أن يموت قلبي..أما هم فإنه يستدرجهم من حيث لايعلمون..في حجرتي ليل نهار أقرأ القرآن وأبكي وأصلي وأبكي داعيا الله أن يزيح عني تلك الغمة وهذا البلاء..الله يغفر الذنوب جميعا..ولاييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون..كل من في البيت كان يتمزق حزنا علي وهم يرونني مكتئبا كما لم يحدث من قبل رافضا الرد عليهم ببنت شفة..تحاول أختي رشا تلطيف الجو وتقول بطريقتها الباسمة
- الدكتور شكله عايز يتجوز ياماما
فلا تنتبه لما تقوله ..وينظر لها بابا نظرة تحذيرية لكيلا تتمادي في هزار لايتناسب مع حالتي النفسية
- قوللي ياضنايا فيه أيه؟مالك ..ما تسكتش كده..اتكلم يا قلب امك..لو ما فتحتش قلبك لينا هتفتح قلبك لمين..
كان خرسي أقوي مني..كأنه لم يعد في فمي لسان..كل حواسي كانت مفصولة من الخدمة.. كنت متخشبا كمريض الكتاتونيا(مهنج بلغة الكمبيوتر)..عاجزا عن فعل أي شيء..وبدا لي ولهم أن هذا سيكون أبديا..فجأة صرخت أمي وهي تلطم علي خديهاوالدمع يسح من عينيهامدرارا
- اعمل حاجة ياعبد السلام ..شادي بيضيع مننا وانت قاعد كده..قوم هات دكتور نفساني يشوفه
بابا بطبيعته كائن قليل الحيلة ..في المواقف الصعبة يقع في حيص بيص..ولكنه انطلق وعند الباب تراجع مرة أخري منكسرا مطاطيء الرأس وأشار لأمي..فهمت..لم يكن في البيت فلوس ..المرتب الهزيل الذي يتقاضاه يكاد يكفي احتياجتنا الأساسية مع مراعاة التقشف..ومرتبي لاداعي للحديث عنه لكي تستمروا في الضغط علي أولادكم لدخول الطب (يابشر فوقوا وشوفوا الدنيا ماشية ازاي..تدمرون أولادكم بأفكاركم الرجعية..وعندما يفشلون تلقون باللوم عليهم..مافيش حاجه اسمها كلية قمة وكلية قاع..بس فيه أفكار تطلع لقدام وأفكار ترجع لورا..بتقرا مزاميرك علي مين ياداوود؟..الجيل بتاع عبد الناصر والسادات عايز إبادة..الشعوب العربية محتاجة هتلر..ابعت ياللي بتبعت)
اليوم الوحيد الذي احببت فيه الفقركان هذا اليوم..فبسببه لم يتمكنوا من إحضار طبيب نفسي لمعالجتي..ولحظتها سيظل العار يطاردني إلي يوم القيامة..زملائي الذين يتجهون إلي هذا التخصص يكون دافعهم علاج أنفسهم أولا وأخيرا..وقلة قليلة من يكتب الله لها الشفاء..لا تحاولوا إقناعي بوجود طبيب نفسي عاقل لأن أهل مكة أدري بشعابها..(ماهو تعريف الشخص السوي أساسا؟؟)
36
كنت مستغرقا في نوم كابوسي عندما دقت أمي علي باب غرفتي..حركت أكرة الباب ودخلت..انحنت وهمست في أذني
- إصحي ياحبيبي ..دكاترة زمايلك موجودين في الصالة وعايزين يشوفوك
كأنما دبت الحياة في روحي فجأة..وقفت أمام المرآة ومشطت شعري وخرجت..فوجئت بوجود أسامة الرفاعي بشحمه ولحمه جالسا وبجواره مجدي خليل وفتحي وصفاءوعلا وحيدر..بحثت عن كل مشاعري العدوانية تجاههم بسبب أفكارهم الشيطانية فلم أجد سوي محبة عميقة ..ووجدتني أرتمي في أحضانهم واحدا تلو الآخر..ولم تستطع علا سوي معانقتي بعينيها احتراما للحجاب الذي ترتديه..حسدت نفسي علي تلك المحبة الغامرة..وشعرت بالامتنان للموقف الذي طالما تمنيت محوه من حياتي..فهأنذا أكتشف بسببه عمق الصداقة التي تربطني بأناس لم أعرفهم إلا منذ فترة وجيزة..أصروا علي أن أرتدي ملابسي لكي أخرج معهم فتعللت بالتعب والأرهاق إلي أن قال أسامة الرفاعي بصوته الواثق الخفيض
- قوم البس ياشادي..عشان نعرف نتكلم معاك
هل يستطيع أحد علي وجه الأرض أن يقاوم هذا الرجل ..أن يعترض علي كلمة يقولها..الكواكب لاتملك سوي الدوران حول الشمس..والأعشاب لاتملك سوي الانحناء للريح..ولكنني بعد هذا الموقف لم أعد عشبا ..أصبحت شجرة ناضجة قادرة علي رؤية مالاتراه آلاف الأعشاب ..الضربة التي لاتكسر الظهر تقويه ..والنارتجعل الشمعة تضيء وعود البخور يفوح والطعام ينضج ويستوي ويصبح ألذ طعما..كل الأشياء التي توجعنا هي التي تمنحنا الخبرة وتفتح لنا أبواب السعادة واللذة علي اتساعها..عندما نهان أمام الآخرين نحن بالتأكيد نخسر مساحة كبيرة من كرامتنا وكبرياءنا ولكننا نكسب مساحة أكبر من الحرية ومن المعرفة ومن الجرأة ومن القدرة علي التعامل بحنكة مع المواقف الشبيهة..هذا ما يتعلمه الأشخاص الأقوياء..أما الضعفاء فإنهم ينهارون وينطوون ويمرضون نفسيا..هل تعرفون الفرق بين الإنسان المتحضر والأنسان المتخلف ؟؟..الإنسان المتخلف مازال أسير الخوف ..الخوف الذي استقر في عقل جدوده وهم يعيشون في الكهوف وفي الظلام وفي الغابات الممتلئة بالحيوانات الضارية..الخوف هو أصل كل رزيلة ..الخوف هو الذي يمنع الفقير من أن يكون غنيا..والجاهل من أن يكون مثقفا ..والوتد من أن يكون مركبا يجوب البحار والمحيطات..الخوف هو الذي يجعلك تعتقد أن حياتك أغلي من حريتك..المعادلة صعبة ولكنها حتمية..الحرية سوف تمنحك الكثيرولكنها ستجعل حياتك مهددة بالفقد في أي لحظة..نعم ستصبح حياتك علي كف عفريت..
- (غالبا ما تكون نهاية العظماء دراميةو مأساوية..هل سمعت عن شخص تافه تعرض للنفي أوالاعتقال أو الاغتيال) ..الحياة عادلة أكثر مما نتخيل ..وكل إنسان ينال فيها ما يستحقه دون زيادة أو نقصان..المظلوم يستحق أن يكون مظلوما ..والفقير يستحق أن يكون فقيرا..والموظف محدود الدخل يستحق أن يكون كذلك ..المشكلة ليست في سياسات الحكومة..المشكلة في الإنسان الذي يستكين إلي ماهو فيه ويرضي بالظلم الواقع عليه دون أن يصرخ خوفا علي حياته وحياة أسرته ..وبذلك يمنح نفسه ترف الحياة..ولكنها حياة وضيعة كحياة حشرة..الحياة الكريمة لها ثمنها..ماهو الثمن الذي دفعه موظف جبان محدود الدخل والثقافة والشجاعة ومعدوم الكرامة والمقاومة..لايجهد ذهنه سوي في لعب الطاولة والتهكم علي مديره من خلف ظهره ..وما إن يراه حتي يهب مذعورا خوفا وهلعا من جزاء قد يخصم من مرتبه ثمن كيلو لحمة أو من نقل إلي منطقة بعيدة عن محل سكنه..قسما بالله لم أقابل في حياتي إنسانا يستحق أكثر مما هوفيه ..قد أنبهر بإمكاناته في جلسة أو اثنتين ولكن مع الوقت أعرف لماذا هو هكذا..وأن السبب فيه لا في حال البلد المايل ..هل تعرفون سبب حال بلدنا المايل؟؟إنهم هؤلاء الأشخاص المتذمرون الذي لايفعلون شيئا أكثر من الانتقاد وضرب الكف بالكف..إنهم هؤلاء الأشخاص الذين يعتقدون أن حقهم مهضوم ..أنهم هؤلاء الأشخاص الذين يقولون بأن البلد يحكمها شلة حرامية ولاينتبهون إلي أنهم شلة مغفلين..أعرف أن هذا الرأي سيعارضه الكثيرون ..لأنهم بذلك سيتحملون مسئولية ماهم فيه من فقر وفشل وإحباط وعجزوقلة حيلة ..لأنهم يعتقدون في داخل أنفسهم أنهم عباقرة وفنانون لم يكتشفهم أحد لأنهم ليس لهم واسطة غير ربنا..والحقيقة أن الشخص الذي يمتلك شيئا يستحق الوصول للناس سيصل..كيف يؤمن الناس بك وأنت لاتؤمن بنفسك ..وكيف يراهن عليك أحد وأنت تخشي المراهنة علي نفسك..هذه كانت بعض معتقدات أسامة الرفاعي التي أحاول الإيمان بها ولكن ضعفي يغلبني وأرمي بفشلي علي عائلتي وحكومة رجال الأعمال التي سرقت البلد..وأفرح جدا حين يوافق الزملاء علي كلامي ..ولكنني أقرر أن أبتعد عن نقد سياسة البلد حين لفت نظري أحد الأصدقاء بأن عصافير أمن الدولة يختبئون في شاش وقطن وأجهزة ضغط القصر العيني..لدرجة أنني اعتقدت أن هذا الصديق أول العصافير..وقررت أن أبدو أمامه كحصاة لا حبة قمح ..فأن تدوسك الدولة خير من أن تأكلك
(لكل رأي رد رأي مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه)
37
ما إن خرجت من باب شقتنا القديمة المتهالكة وركبت سيارة أسامة الرفاعي (المرسيدس عيون) حتي شعرت بأنني انتقلت من العالم الثالث إلي العالم الأول..وانقبض قلبي ألما وأنا أتصورهم يشفقون علي من الفقر الذي أعيش فيه..ولكنني قلت لنفسي أن أسامة الرفاعي نفسه بدأ أفقر مني ..ومجدي وعلا وحيدر
يعيشون في نفس المستوي الذي اعيش فيه..وقلت بأن أهلي جزاهم الله خيرا أن علموني وأوصلوني إلي ما أنا فيه والباقي يعتمد علي شطارتي وطموحي ..وأنني أمتلك الوقت والذكاء والشباب وهي كنوز لمن يستطع الاستفادة منها واستغلالها.. ولم يخرجني من تأملاتي الحزينة سوي تعليقاتهم المرحة والساخرة من الموقف المأساوي الذي مررت به..وأدهشني أن يمتلك حدث كل تلك الأبعاد التي لم أنتبه إليها ..حدثتكم عن بعضها في الفقرة السابقة..البعد المأساوي حين رأيته انتهاكا لكرامتي أمام المرضي والعمال والزملاء..والبعد التعليمي حيث تعلمت منه أضعاف أضعاف ما تعلمت من الكتب التي درستها ..والبعد الفكاهي حين تنتزع ذاتك من الموقف وتراه بعين الآخرين ..امرأة من عزبة خير الله تضرب طبيبا بالشبشب لأنه حاول مغازلة ابنتها(أمال لو نام معاها وفتحها كانت عملت أيه)..ياأمهات الممرضات احترسوا علي بناتكم من الأطباء الذئاب..تخيل هذا المانشيت في جريدة كالأسبوع..والبعد الإبداعي حين تتقمص الآخرين وتشمت في نفسك..والبعد الاجتماعي حين يصبح ما حدث لك كافيا لأكثر من ألف جلسة نميمة مسلية بين التمريض ..والبعدالفني حين تفكر في بناء رواية انطلاقا من هذا الموقف..والبعد الأخلاقي حين تقرر التوبة والعودة إلي الاستقامة أو تتمادي في الفجور(لم يعد لديك ما تخسره)..والبعد الاقتصادي حين تتغيب عن عملك وتتعرض لخصم مبلغ كبير من مرتبك وبالتالي لا تستطيع شراء القميص الذي كنت قد انتويت شراءه..البعد النفسى حين تكون مهيأ للجنون ويكون هذا الموقف هو الشومة التي كسرت ظهر البعير..والبعد التاريخي حين تتذكره بعد عمر طويل كحدث غير مجري حياتك وحين تعتبره نعيمة وسام شرف علي صدر أنوثتها وعفتها..والبعد الجغرافي للمكان الذي ضربت فيه وتخشي رؤيته لكيلا تصحو المواجع..والبعد الشبشبي حين يبحث المستشرقون في سر استخدام المصريون للشبشب للتنفيس عن غضبهم ..أبعاد لانهاية لها يفجرها هذا الموقف المعقد الذي يبدو بسيطا لا عمق فيه ..هذا الموقف الذي قد تفهم مصر في عصر حسني مبارك من خلاله..كيف؟؟اسمع ياسيدي ..وأرجوكم أن تتحملوا هذا الهراء الذي طالما قرأت مثله في نقد روايات وأفلام و قصائد لا تحتمل تلك القراءة المتعسفة والخنيقة
الطبيب: رمز الطبقة المتوسطة بحرصها علي التعليم كوسيلة للصعود الاجتماعي..والتربية الدينية الزائفة التي تخفي انحلالا أخلاقيا لا نظير له..وهو معذور في ذلك لأنه لا يستطيع الزواج الشرعي لا ستحالة الحصول علي شقة بطريقة غير الميراث أو السفر لبلاد الخليج أو التجارة في المخدرات أو العملة الصعبة أو أجساد النساء ..
( أسهل حاجة تسافر..الحاجات التانية دي عايز إمكانات خاصة)
أم نعيمة : المهمشون الشرفاء بملابسهم المهترئة ووجوهم الشاحبة والطافحة بالمعاناة وحرصهم علي إدخال بناتهم مدارس التمريض ليحصلوا علي وظيفة تمكنهم من الحصول علي أدني متطلبات الحياة..
نعيمة :رمز مصر الجميلة التي يحاول الجميع الاعتداء علي شرفها..
( أليس من الأفضل أن أكتفي بهذا القدر من الهراء العقيم ..وأستأنف الحديث عن أبطال روايتى الذين يحاولون تجميل حياتهم ..كل علي قدر استطاعته )
38
علي خلاف ما توقعت من تداعيات الموقف الأخير..اعتقد الجميع أنني فعلت شيئا مع نعمة يستحق كل هذا الغضب من طرف والدتها..وكانت نظراتهم لي مليئة بالحسد والإعجاب لأنني استطعت تثبيت هذا الفرسة الشرسة التي عجز الجميع عن ترويضها أو أخذ حق أو باطل منها..وأصبحت (دون جوانا) بالأونطة..يجب أن ننتبه أننا نعيش في بلد الصيت ولا الغني ..والعجيب أن الصيت يجلب الغني ..والشائعات تتحول إلي حقائق ..لا لشيء سوي اعتقاد الناس فيها..التاريخ الذي ندرسه ليس إلا شائعات قالها الناس وصدقوها ثم ماتوا وجاء من بعدهم جيل اعتبرها حقائق غير قابلة للنقاش ..حقائق تصل إلي درجة القداسة..والقداسة تأتي من الغموض(حاول تبقي غامض وهيتقال عليك أساطير) ..والبشر لا يحتملون الغموض فيقومون بعملية تأكيد تعويضية..
وياويل وياسواد ليل من يقوم بالتشكيك..المهم أن الجميع – رجالا ونساء- بدأ يعاملني علي هذا الأساس ..فصدقت نفسي وأخذني الغرور وانطلقت..وخلعت برقع الحياء وأصبح فجوري علي عينك ياتاجر..أقرص ممرضة في صدرها علي مرأي من المرضي والزميلات(هذه هي الميزة الوحيدة في مهنة الطب)..أو أصفعها علي مؤخرتها علي طريقة عادل إمام مع بطلات أفلامه..كل شيء أصبح متاحا وسهلا جدا ..وأقبح الألفاظ صارت تخرج من فمي وكأنها أكثر الألفاظ تهذيبا..وأصبحت فاكهة قسم التجميل..وحضوري أصبح مرادفا لساعات لا تنتهي من الضحك والقهقهات..لابد أن في هذا الشبشب سرا باتعا..سرا جديرا بإضافة قصة جديدة رائعة للعمل الخالد (ألف ليلة وليلة)..ربما أستطيع في يوم من الأيام اكتشافه وأصبح واحدا من كتاب الواقعية السحرية..وساعتها راسي تبقي براس ماركيز وباولو كويلهو وساراماجو(من بقي لباب السما..بس يارب يبقي مفتوح بعد كل الذنوب اللي باعملها وباجاهر بيها كمان)
39
أوراق من دفتر يوميات أسامة الرفاعي
منذ نعومة أظافري وأنا أميل إلي أخذ الحياة بجدية وأنفر من إضاعة وقتي في مناقشات تافهة ..لذا – وأنا في المرحلة الإ عدادية- أحببت جماعة الإخوان المسلمين وصاحبتهم في غدوهم ورواحهم..وأعجبتني طريقتهم المنظمة في الحياة مابين العبادة والقراءة وممارسة الرياضة والرحلات الترفيهية وحرصهم علي توفير أعانات للطلبة الفقراء من كتب ومجموعات تقوية..وظللت علي هذا الحال إلي أن التحقت بطب القصر العيني عام 76 من القرن الماضي ..وفي انتفاضة يناير 77احتجاجا علي رفع الأسعار خرجت في المظاهرات رغم تحذيرات أبي..ومن سوء الحظ – أولحسنه – تم اعتقالي لمدة شهرين كاملين ..وفي السجن لم أتلقي إلا كل معاملة طيبة بسبب مأمور السجن الذي اعتقلت فيه ..كان يدعي فرج الدهشوري النمر..كان إنسانا بشوش الوجه طيب القلب واسع الأفق ..كنا نمر – أنا وزملائي – بتجربة الاعتقال للمرة الأولي ويملأ أذهاننا قصص التعذيب البشعة التي كتب عنها نجيب كيلاني في رواياته( نجيب كيلاني هو نجيب محفوظ شباب الإخوان)..ولكننا بكل عنفوان الشباب أقنعنا أنفسنا بأن القابض علي دينه كالقابض علي الجمر وأن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم..وفوجئنا في أمسية الأعتقال الأولي بدخول ظابط طويل عريض يحمل رتبة عقيد يدخل باب الزنزانة متقدما رائدين وصول وبعض العساكروألقي علينا بصوت رنان يحمل قدرا كبيرا من الود تحية الإسلام وقال
- أنا عارف إنكم خيرة شباب البلد ..اللي طالب في طب واللي في هندسة واللي في علوم ..وفي انتظاركم إن شاء الله مستقبل واعد..بس عايز اقولكوا كلمة من أخ كبيرمش من ظابط..الدنيا مش بالبراءة اللي انتو فاكرينها..ناس كتيربتستغل أنبل الشعارات عشان توصل لأهداف في منتهي الدناءة..إنتو لسة صغيرين ..واختيارتكو قايمة ع العاطفة مش ع العقل ..احتجازكو مش هيدوم فترة طويلة ..ده إجراء لازم الدولة تقوم بيه عشان الناس اللي بتصطاد في المية العكرة..نصيحتي ليكو حافظو علي استقلالكو ..وما تسمحوش تبقوا عرايس متحركة في إيد أي حد ربنا لوحده عارف نواياه ..اسألوا واعترضوا وناقشوا وافهموا..ماتقولوش حاضر ونعم وانتوا مغمضين.. اقروا في كل المجالات ..ساعتها كل واحد فيكو هيوصل لقناعاته الخاصة بيه ..وساعتها تقدروا تحاربوا الدنيا كلها عشانها..مش هاطول أكتر من كده ..واللي يعوز أي حاجة أنا تحت أمركو ..
كان الرجل يتكلم بصدق هزنا جميعا..وأكدت الفترة التي قضيناها في السجن صدقه في حرصه الشديد علي احترام كرامتنا وإنسانيتنا..حتي أننا عانقناه يوم خروجنا ونحن نبكي لأننا سنفتقده..كان شاعرا ولما علم بحبي للشعر أهداني ديوانه المطبوع
(أمواج تبتسم لصخور عابسة)..مازلت محتفظا به إلي اليوم ..وكتب لي إهداء رقيقا كشعره علي أولي صفحاته
(إلي الأستاذ الدكتورأسامة الرفاعي ..
سيأتي يوم تتذكر فيه
دمعة أهدتك الفرح ..
ومنفي أهداك الوطن..
ومركبا كاد أن يحرمك
من السباحة في النهر
لولا رياح عصفت بك ..
ونجما كاد أن يعميك
عن رؤية الطريق
لولا حجر
أسقطك علي وجهك..
أتمني أن تخرج من ديواني وقد
أصبحت أجمل وأرقي
منك لحظة دخولك..
أتمني أن تصبح مصر بك
أكثر روعة وأكثر تحضرا
لأنك تقدر
ومصر تستحق ..
الشاعر فرج الهشوري النمر)
18-3-1977
لن أنسي ما حييت هذا الرجل العظيم الذي أنار لي دربي بكلماته البسيطة..ولا أدري إن كان يحيا أم تغمده الله برحمته..في لحظة مقدسة التقت كلماته برغبة مشتعلة في أعماقي فتوهجت وعرفت ماذا أريد أن يقال عني عندما أفارق الحياة..أردت أن يكتبوا علي قبري (الدكتور أسامة الرفاعي ..إنسان ترك الدنيا أجمل مما كانت عليه قبل مجيئه)..لذا أقبلت علي العمل والمذاكرة بطريقة انتحارية حتي اكتشفت عبقرية الإرادة وعبقرية الاختيار ولذة النجاح والتقدم إلي الأمام والصعود إلي أعلي..وفي سنة الامتياز اكتشفت مواهبي الجراحية..وكدت أن أرقص نشوة حين أصبحت جراحة التجميل تخصصا قائما بذاته في أوائل الثمانينات..هاهي المهنة التي تتماشي مع فلسفتي في الحياة..رفضت القبح بكل معانيه وصوره..الفقر قبح..والجهل قبح ..والتعصب قبح ..والفشل قبح ..والتدخل في خصوصيات الآخرين قبح..والعجز قبح..والحنجرية قبح..ولم يقف شيء في طريقي ..كنت قادرا علي رؤية الأبواب المفتوحة..لأنني أردت أن أراها..وحين قررت الزواج اخترت امرأة جميلة ذات حسب ونسب ودين وإن كانت متوسطة التعليم ..وكانت عند حسن ظني..وكنت عند حسن ظنها..فهمت ظروف عملي وطموحي غير المحدود فساعدتني ..وفي المقابل لم أحرمها من شيء..ولم يحدث أبدأ أن احتقرت تعليمها المتواضع ..لم أبحث أبدا عن الحب الجارف الذي تتحدث عنه الروايات والأفلام..علاقتي بالمرأة كانت دائما في حدود ..لذتي الكبري كانت في حجرة العمليات وفي إلقاء المحاضرات وفي نظرات الإعجاب تنهمر علي من كل حدب وصوب..ونشوتي وأنا أزرع فيهم الحلم والأمل في إمكانية أن يكون كل منهم أسطورة بالأرادة والعزيمة والعمل والنظر إلي النصف الممتليء في كوب الواقع ..اعتبرني البعض منافقا للحزب الحاكم ..وأنني أطمح إلي كرسي الوزارة..ولكنني متي اهتممت بنباح الكلاب..أسامة الرفاعي أكبر من كرسي السلطة نفسه..
بالنسبة لأولادي (عمر وعلياء)فلا يوجد الكثير لقوله..اعتبرتهم دائما أشخاصا قادرين علي اختيار أسلوب الحياة الذي يجدون أنفسهم فيه..وكان الخلاف الذي ينشب بيني وبيني زوجتي بسبب لامبالاتي تجاههم..عمر اختارأن يكون مخرجا سينمائيا..وعلياء اختارت أن تتزوج من داعية إسلامي شاب وتتحجب وتجلس في البيت بعد دراسة خمس سنوات في طب الأسنان..أشياء كثيرة تتوقعون أن أترك وصية بشأنها.. ولكنني لن أفعل..مسئوليتي تنتهي بانتهاء حياتي..حياتي التي أغادرها في التوقيت الذي يلائمني تماما..عشت دائما مرفوع الرأس ولم يعرف أحد – حتي أقرب الناس إلي- أنني أعاني من ارتفاع ضغط الدم والبول السكري..أما سرطان القولون فكيف يمكن إخفاؤه وهو كالغول الذي ينهش أحشائي..
أنا الآن مطمئن أنني أديت رسالتي علي أكمل وجه..فوادعا..
40
هناك أناس يموتون فيكون حزنك عليهم حزنا شخصيا وأنانيا بحتا..فأنت تتذكر المسئولية التي كانوا يتحملونها بدلا منك ..وأنك بعد موتهم مضطر أن تبذل مجهودا يفوق بكثير ما كنت تبذله وهم أحياء(مين اللي هيروح لعمتك في العيد غيرك)..لقد انهار السقف الذي كان يحميك من البرد والرعد والعاصفة..لقد احترقت الوسادة التي كنت تسند رأسك عليها في لحظات تعبك
وساعات همومك..وهأنتذا وحيد كشجرة صفصاف ..كطفل تائه في حلم مخيف ..والجميع يضغط علي يدك ويقول بمواساة مفتعلة
- شد حيلك ..يجعلها آخر الأحزان..البقاء لله (عشان البقية في حياتك بدعة وحرام)..
وأنت تعيش هذا المسلسل ..المطلوب منك أن تحزن ليأتي الآخرون لمواساتك ..لحظة تمثيلية فجة ..لحظة المواساة ..لحظة التأمل والخشوع أثناء تلاوة القرآن(الشيخ يفكر في العشوة والورق ابو مادنة والمعزون يفكرون متي ينتهي الربع ومصالحهم المعطلة ..وأنت تفكر متي تنتهي الليلة لتنام بعمق كما لم تنم من قبل)..بلغة السينما حاول تقطيع المشهد إلي ثلاث مشاهد ..المعزون قبل أن يأتوا إلي العزاء..العزاء ..بعد انصرافهم..تخيل القهقهات تتوسطها لحظات حزينةحزنا طفوليا لئيما..تخيل الاسترخاء يتوسطه توتر محسوب درجته..هذا هو موت البشر التقليديين وحزن البشر التقليديين ..أما موت أسامة الرفاعي فهو عظيم بعظمة حياته ونبلها وبطولتها..رجل استطاع أن يعرف غث الحياة من سمينها ..وقشرها من لبابها..وصدفها من لؤلؤها..وعرف كيف يكون راقيا في عمله وفراغه ..وكلامه وصمته ..في حياته وموته ..واقفا عاش وواقفا مات ..حتي السرطان لم يستطع أن يشمت فيه ..أن يستذله ..أن يسمع تأوهاته ويضحك ..ألست تدعي القوة؟هأنتذا أضعف من ضعيف بين يدي كالفقراء والعجزة الذين عشت تحتقرهم وتتجنبهم..اسمك وشهرتك وأموالك ومريدوك لن ينقذوك مني ..وهو يرد بقوة :ايها السرطان الأحمق ..ومن قال بأنني سأستنجد بأحد أوبشيء..كل ما تقول لم يكن يهمني ..كل هذا كان عبدا لإرادتي ومبدأي أن الحياة الضعيفة لالزوم لها ..وقوتي كانت دوما نابعة من داخلي ..لم أصعد إلي قمتي بأسانسير ولم أهبط عليها بباراشوت..بحكمة أسندت سلمي علي الجدارالصحيح وتعذبت كثيرا حتي استطعت وضع قدمي علي الدرجة الأولي وبعدها كانت القفزات..كانت حياتي أشبه بلعبة السلم والثعبان..أصعد ثم يلدغني ثعبان فأهبط وأصعد مرة أخري..والآن سأهبط إلي الأبد ..لذا لأنه لم يعد لي أمل في الصعود سأتوقف عن اللعب..واهزم نفسك أيها السرطان الساذج..
اسمح لي يأستاذي أن أعزي الكون فيك..وأعزي الأرض فيك ..لأنك ياشمس لم تعد
ستخطو عليها...
41
عرفت من فتحي عبد المجيد أن أستاذي انتحربجرعة كبيرة من الأنسولين ..وأنه كان معه في الليلة السابقة لموته عندما كان يصحبه لاستلام نتيجة التحليل من المعمل الشهير في مصر الجديدة ..وأنه اقترح عليه أن يقضيا سهرة مرحة في أحد كباريهات الهرم..بعدها عادا إلي شقة فتحي المطلة علي كورنيش المنيل..كان المرحوم يعتبر تلك الشقة فردوسه المفقود بالفوضي التي تملؤها والكتب المتناثرة في كل ركن من أركانهاوسيديهات أشهر المقطوعات الموسيقية العالمية ..وأن له حجرة فيها يكتب فيها يومياته ويستضيف فيها امرأة من حين لآخر لتجديد الدماء في شرايينه..لم يكن التفكير في النساء يشغله كثيرا..وعلاقاته الجنسية لم يكن هدفها المتعة بقدر ماكان هدفها إفراغ شحنة متوترة بداخله ..الكلام مازال لفتحي ..كان يقول له أحيانا
- عارف يافتحي ..أنا ساعات باحسدك علي البوهيمية اللي انت عايش فيها..ضارب الدنيا صرمة ..وعايش عشان مزاجك..ومش واخد الدنيا جد زيادة عن اللزوم زيي..ومع ذلك قادر تبقي شاطر في شغلك ..وشفت الحياة من زوايا كتير ..نسوان وخمرة وديسكو وكتب ورحلات..جايز عشان أهلك ناس أغنيا وعمرك ما شلت هم حاجة..أنا كان لازم ابذل مجهود كبير جدا عشان أوصل للمستوي اللي انت فيه..وعلي ما وصلت بقي ده أسلوب حياتي اللي ما قدرش أغيره..الواد أحمد ابني نسخة طبق الأصل منك ..ساعات يقوللي يابابا استريح بقي واستمتع باللي انت عملته..ومش قادر يفهم إن متعتي في شغلي ..عمري ما ستمتعت بالسهر والصداقات والكلام ده خالص..النجاح كان بيغريني بمزيد من النجاح وهكذا..بس لو رجع بيا الزمن هاختار نفس الطريق اللي مشيته..كل إنسان له الطريق اللي يناسبه ..واللي بيلاقي نفسه فيه..
( معقول ياربي ..حتي أسامة الرفاعي بكل المجد اللي عمله ده وعنده إحساس بالمرارة..أمال انا اعمل أيه ..اللي مش قادر اعمل أي حاجة..تايه ..قدامي ألف طريق مش عارف أروح علي فين..وحاسس إني هابقي زي بابا ..قليل الحيلة ..وهاعيش طول عمري في الضل ..وهافضل ألف في الساقية عشان يادوب اعيش عيشة مستورة..وافضل اتكلم مع الإخوة الزملاء عن سعر كيلو الطماطم وأنبوبة البوتاجاز..هاتجنن عشان أجيب موبايل محترم بكاميرا مش عارف ..ولا شوز توكيل
مش عارف..ويوم ما باخرج مع مزة بابقي عامل زي الكلب اللي مش لاقي متوي..وباخطف البوسة وانا حاسس ببوليس الآداب واقف علي راسي..أسامة الرفاعي حاسس بمرارة وفتحي نفس الإحساس ..أمال أنا اعمل أيه ..احرق نفس ياجدعان بجاز وسخ)
42
رغم أن صديقي الجميل حيدر خام جدا من الناحية العاطفية إلا أن آراءه في المرأة والجنس تنال إعجابنا..ونندهش من قدرته الفذة علي الوصول إلي تلك النتائج بدون سابق تجربة حقيقية..منها علي سبيل المثال لا الحصر(أندم الآن أشد الندم علي عدم قيامي بتسجيلها في حينها)
- كلما كبر حجم ثدي المرأة كلما ازدادت ثقتها في نفسها..ألا تلاحظون أن أكثر الفتيات انطواء وخجلا في القصر العيني هن صاحبات الأثداء الصغيرة..
- لا توجد فتاة علي وجه الأرض – مهما كانت مؤدبة ومتزمتة- لا تعشق النكات الجنسية والتلميحات الأبيحة..
- لا توجد فتاة – مهما كانت درجة تدينها – تعشق الرجل المؤدب ..كلما ازدادت سفالة الرجل وازدادت فضائحه كلما ازداد عدد عاشقاته..
- لتحبك المرأة يجب أن تصدمها ..الأميرة عاملها كعاهرة..والعاهرة عاملها كأميرة ..هذا ليس رأيي ..هذا رأي أنطوني كوين..
- المرأة مالم تكن مغرورة وعنيدة فلن يقع في حبها رجل..
- المرأة لاتنسي أول رجل قام بتقبيلها..
- المرأة لا ينضج تفكيرها ألا بعدأن تفقد بكارتها..
- المرأة تعشق الرجل اللئيم والقاسي ..وكلما ازدادت قسوته عليها كلما ازداد عشقها له..دققوا في الأغاني التي تسمعونها..هل سمعتم ذات مرة امرأة تغني لرجل عاملها بحب واحترام ..هي دائما تغني للذي غدر بها وخدعها وظلمها وتركها ليعشق امرأة أخري ..وتقول أنها لاتستطيع رغم ذلك أن تنساه للذكريات الحلوة التي تجمعهما..المرأة كائن مريض ياسادة ..كائن ماسوشي ..يتلذذ بالتعذيب ..هل تعرفون صديقنا فلان ..كائن ماسوشي أيضا ..وإذا شددتم سراوله ستفاجئون بأنوثته..
- المرأة تستطيع أن تري في نظرة واحدة مالانراه نحن الرجال في ألف نظرة..نحن بهائم ياسادة ننظر ولا نري علي رأي أستاذنا العظيم زكي نجيب محمود..طبعا لم تسمعوا عنه ..آخركم زكي جمعة بتاع مدرسة المشاغبين..
- المرأة لديها قرون استشعار تجعلها تري بقفاها..عندما تنظر إلي امرأة من الخلف
لا تعتقد بسذاجة أنها لاتشعر بنظرتك..
- المرأة تحب الراجل اللي يدخل فيها شمال ولا يترك لها فرصة للتفكير..
- المرأة تحب الرجل الذي يوهمها أنها ليست الوحيدة في حياته بطريقة غير مباشرة
- المرأة تحب الرجل الذي يحب الحياة وعايشها بالطول والعرض زي الباشا الكبير فتحي عبد المجيد..وشادي عبد السلام ماشي ع الطريق ..اللي ياكل لوحده يزور ياصاحبي ..أخوك مزنوق ..من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا( بيلبخ كتير في الدين.. كتب الفلسفة واكلة دماغه)
- أمتع شيء في الجنس أن تجعل زوجتك تضع إصبعها في مؤخرتك عشان تعمل مساج للبروستاتا..هذه المعلومة قالها كارلوس فوينتس في رواية كرسي النسر
(ابن الذين عنده وقت يقرا كل الكلام ده إمتي)
( سامحوني ياجماعة إن كنت باكتب كلام مبتذل ..ولكن لاحياء في العلم..وكمان كتب الفقه فيها كلام أمر من كده بكتير .. وثانيا ناقل الكفر ليس بكافر..وثالثا اللي مش عاجبه يخبط راسه في الشاشة)
- لايستطيع أحد إشباع امرأة سوي امرأة مثلها(أحرام أختاه أن يلثم التفاح تفاح)
وكلام كثير غير هذا لا يحضرني الآن..من الجدير بالذكر أن الزملاء في القسم يسمون حيدر (حيدر نظرية) لكثرة النظريات التي لا يكف عن إتحافنا بها..
والبعض يسمونه (حيدر المحللاتي ) لميله الشديد إلي تحليل كل شاردة وواردة..وأيضا لتحليله كل المحرمات المتعارف عليها رغم أن ذنوبه تقتصر فقط علي مجرد الكلام .. أما صفوت شلضوم فيسميه (حيدر المخللاتي) لعشق حيدر للبتنجان المخلل..
43
الظروف المادية السيئة التي أعيشها تجعلني دائم التفكير في طريقة سريعة تنتشلني منها..لذا أنا طول الوقت- آكلا وشاربا ونائما وصاحيا- أفكر في الناجحين وأسأل نفسي كيف نجحوا ولماذا وصلوا ..واهتديت أخيرا إلي السر..الناجحون في كل المجالات يجمعهم شيئان: ثقل القلب وخفة اليد ..كاللص تماما..وكالساحر..وكالعازف الماهر علي أي آلة موسيقية..وكالبقال ..وكالحلاق..وكالكاتب( غزارة الإنتاج تجعل الجميع يعترف بعبقريتك بغض النظر عن مستواه وتطابق الرواية الأولي مع الخمسين من بلزاك ودستوفسكي إلي إحسان وخيري شلبي) ..وكالجراح وهذا مايهمني في الأمر كله..
ومع خفة اليد لابد من خفة اللسان (أن تكون مجاملا إلي أقصي حد ..كنجيب محفوظ ويحيي حقي ومحمد عبد الوهاب ..أو متهورا كيوسف إدريس وأمل دنقل واحمد فؤاد نجم وعبد الحميد كشك) ومع خفة اليد وخفة اللسان لابد من خفة الدم( التي انتهت بموت جيل إسماعيل يسن وعبد السلام النابلسي وعبد الفتاح القصري ونجيب الريحاني وزينات صدقي..الآن يعتبرالجميع- بتواطؤ خفي- الاستظراف خفة دم..ماشي..عديها..ما تبقاش حنبلي)..ولما كان من المستحيل علي أي إنسان الجمع بين خفة كل هذه الأعضاء فإن خفة عضو واحد كافية للنجاح..هل تعلمون أن حقن الماكس يطلق عليها كيف الحرامية لأنها تمنح الأعضاء الخفة اللازمة لأداء مهمتهم علي أكمل وجه..وفي رأيي أن هرمون الأدرينالين يجب أن يسمي هرمون النجاح لأن له نفس تأثير حقن الماكس (الفئران لم تنقرض حتي الآن برغم كثرة القطط السمان بفضل هذا الهرمون العجيب )..
44
يقول لي فتحي عبد المجيد
- لا أحقر من أولاد العظماء..إنهم كالحصي الواقع خلف الجبل..قلما تجد عظيما أنجب أبنا يمتلك نصف عظمته..ولكن كثيرا ما يحدث العكس ..أن ينجب أنصاف الموهوبين أبناء مكتملي الموهبة..
كنا نتحدث عن (|عمر) ابن أستاذنا العظيم..وكيف أنه محدود الموهبة ..ومحدود الذكاء..وبالرغم من ذلك لديه بارانويا مرعبة..لا يكف عن الحديث عن نفسه ..وعن أفكاره السينمائية التي لم يسبقه إليها أحد ..والجميع يعلم أن أفكاره أكل الزمان عليها وشرب كما يقولون ..ويصر علي التدخين بنفس طريقة يوسف شاهين ..ويتحدث بنفس طريقته..عندما تراه تندهش أن يوجد إنسان مشوه إلي هذه الدرجة..إنسان لاتتعاطف مع غبائه وعجزه.. بل يدفعك دفعا إلي كراهيته باصطناعه وغروره..غروره الذي لايوجد مايبرره..لذا خير ما يفعله العظماء ألا ينجبوا..ويرتضوا بالكمال الذي وصلوا إليه..الوحيد الذي اكتسب صداقته هو أحمد حسين ..حيدر يقول بأن (عمر) سيكوباتي غبي أما (حسين) فهو سيكوباتي شديد الإبداع.. يعرف (حسين) كيف يصل إلي أهدافه بمنتهي النعومة والبراءة..يعرف كيف يقنع الآخرين أنه حريص علي مصلحتهم أكثر من أنفسهم..وهو الوحيد القادر علي النجاح في هذا البلد الأسود ..وهذا الزمن الأسود.. يحكي لي حيدر(وهو نفس دفعته)
:في فترة الجامعة كان يفوز دائما بالمراكز الأولي في المسابقات الثقافية في كل المجالات..وكاد أن يصيبني ذلك بالجنون..الاول في القصة القصيرة..الأول في الشعر..الأول في الأبحاث ..الأول في الفن التشكيلي ..رئيس اتحاد الطلبة..ممثل جامعة القاهرة في أسبوع شباب الجامعات كل عام ..يقف مع أجمل بنات الكلية..هل هو عبقري إلي هذا الحد..لم ألمح أي علامة عبقرية في وجهه العكر..بل يراودني شعور غامض بالغثيان عند رؤيته..هل أنا حاقد عليه؟ربما..هكذا قلت لنفسي..وقررت أن أقترب منه لأعرف سر عبقريته ..وتأكد لي ما كنت أشعر به..رعاية الشباب تعلن عن بحث ..يذهب إلي أستاذ جامعة تخصص في هذا الموضوع ..ويطلب منه أن يحدد له بعض المراجع ..يذهب إلي مكتبة الكلية ..يقوم بتصوير فصل من هنا وفصل من هناك..يعيد كتابته علي ورق فلوسكاب ..وفي المقدمة يتقدم بالشكر للأستاذ الفلاني الذي ساعده في كتابة البحث وأشرف عليه..في القصة القصيرة كان يذهب إلي سور الأزبكية ويقع علي كتاب قديم يحتوي علي قصص رومانيةأو مجرية مترجمة ويقوم بتغيير أسماء الشخصيات والأماكن..في الرسم كان يعتمد علي تقليد لوحات وزير الثقافة غير المفهومة..مع الأساتذة والبنات الأغنياء لا يخجل من أن يكون مرمطونا..قادر دائما علي إقناع الناس بأنه لاخطر منه عليهم ..وأنه العبد المأمور..وأنه يدين بحياته لهم ولحم أكتافه من خيرهم..واستطاع أن يكسب صداقة ضباط أمن الجامعة..عبقريته تكمن في قدرته الفذة علي الانتشار والاختراق والتوغل..من أين يأتي بكل هذه الطاقة..لا أدري..الحقيقة أنني بقدر ما كرهته بقدر ماتعلمت منه ..(حسين)يعرف القاهرة شارعا شارعا..عن طريقه عرفت كل دور السينما وكل المراكز الثقافية الأجنبية وكل السفارات وكل المكتبات وكل المقاهي التي يجلس عليها المثقفون والفنانون..هل تعرف جمعية أصدقاء السائح..هناك سياح فقراء لايقدرون علي تكلفة الرحلات السياحية المنظمة ..يتوجهون إلي هذه الجمعية التي تساعدهم علي التعرف علي أصدقاء مصريين يصطحبونهم في تجوالهم ..ويقومون بالتعاملات المادية بدلا منهم مع سائقي التاكسيات وأصحاب المطاعم والكافتيريات وبذلك يوفرون عليهم الكثير..وبهذه الطريقة تعرف حسين علي جميلات من مختلف أنحاء العالم..الحقيقة أن الفقير الذكي يستطيع أن يستمتع بكل ما يتمتع به أصحاب الملايين..
- تقصد أن تقول أن الفقير معدوم الضمير هو من يستطيع ذلك
- يا صديقي كما قال المتنبي
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
لابد أن نعترف أن الذين يحترمون المباديء هم العاجزون عن تجاوزها..الدنيا كاللبؤة والإنسان الشجاع والمبادر هو القادر علي اختطاف المتعة من بين أنيابها..أنا مثلا أحتقر أسلوبه الأنتهازي..وأري أن وجود أمثاله عار علي هذا البلد..ولكنه مع الوقت استطاع أن ينال احترام الجميع ..وأنا كما تري ..الحالم الكبيروالمحتلم الأكبركما يسميني فتحي عبد المجيد..مازلت حتي اليوم وقد تجاوزت الثلاثين بأربعةأعوام عاجزا عن الحصول علي امرأة..تخيل شحطا مثلي ..وهذا الشحط من المفترض أنه جراح محترم ..واقفا بالصابونة في دورة مياه قذرة ..تخيل شحطا مثلي من المفترض أنه مدرس بالجامعة ينحشر صباح كل يوم في باصات غير آدمية..تخيل شحطا مثلي مثقفا ثقافة رفيعة عاجزا عن شراء بدلة عليها القيمة..أنا مع أسامة الرفاعي فيما يقوله..أنا أستحق ما أنا فيه..ولكنني سعيد برغم كل شيء..ما يتعسني أن كل الناس..كل الناس يرونني تعيسا ومستحقا للشفقة..الشوارع أصبحت مخيفة..أينما أكون تدركني الإعلانات الضخمة المضاءة بالنيون..ويخيل لي أنها تصيح بصوت ساخر:ياحيدر..ياحشرة..كيف تحتمل الحياة التي تعيشها دون أن تمتلكني ..طظ فيك وفي تعليمك وفي ثقافتك الرفيعة وفي اليوتوبيا الموهومة التي تعيش فيها..الإنسان يعيش مرة واحدة فقط .واحدة فقط ..ألا تخجل من البدلة التي ترتديها..ألا تخجل من الشقة التي تسكنها..ألا تخجل حين تري زملاءك يركبون السيارات الحديثة ويصطحبون زوجاتهم الجميلات إلي المولات والنوادي والمصايف بينما أنت في حجرة العمليات تعمل لله والوطن..بينما أنت تقرأ..بينما أنت تجادل وتتفلسف وتتمنطق وتتزندق ..ألا تخجل والجميع يتقدمون وأنت واقف محلك سر..مجدي خليل يمني نفسه بالحصول علي كل الملذات الدنيوية في الآخرة ..أما أنت فمتي – أيها الملحد- ستحصل عليها..الشعر الأبيض يغزو رأسك ..والدهون تترهل حول بطنك..متي؟..متي؟..هل يستطيع الإنسان أن يحارب العالم وحده..العالم الذي يقول لك بكل تبجح أنت تساوي ما تملكه ..المشكلة أن الفلوس لا تمتعني ..كل هذه الأشياء التي يحارب الجميع من أجل اقتنائها لا تشغل تفكيري..العذاب يكمن في رفضي أن أكون محل شفقة أحد ..أن يعتبرك الناس متخلفا عن الركب..ولكنني أرفض أيضا أن أكون عبدا..أن يحدد لي أحد – كائنا من كان- ما ينبغي علي فعله لكي أكون سعيدا..لا أريد من هذا العالم سوي حجرة مليئة بالكتب والسجائر والشاي ..وياحبذا لو توجد امرأة ..وياحبذا لو كانت هذه المرأة خرساء..
هذه هي مشكلتي ..أما مشكلتك ياشادي فهي أنك تريد أجمل ما في حياتنا جميعا..مجد أسامة الرفاعي وانحلال فتحي عبد المجيد وصوفية مجدي خليل ورؤيتي الفلسفية..مشكلتك أنك تبحث عن الكمال ..أنت كالبهلوان الذي يريد أن يسير علي جميع الحبال في وقت واحد ..كالفلاح الذي يريد أن يزرع ألف محصول في فدان..تافه مع التافهين..وجاد مع الجادين ..ومؤمن مع المؤمنين ..وملحد مع الملحدين..يخيل لي أن دينك هو أن تنال رضا الناس فقط ..ولكن صدقني..هذا ليس حقيقيا..أنت تنال رضاهم الظاهري فقط..ولكنهم في أعماقهم لا يثقون فيك..لابد أن تنتمي إلي قبيلة ما..وتتحمل ما تناله من خير وسوء..المشجع الذي يشجع اللعبة الحلوة هو مشجع سخيف وهلامي ولا يحب الكرة من الأساس..لابد أن تكون أهلاويا أو زملكاويا..أو تعترف بأنك مالكش فيها من الآخر..الرجل الذي صمم زي البهلوان هو مصمم عبقري ..فالثوب عبارة عن بوفيه مفتوح لكل الأقمشة ولكل الألوان ..البهلوان بدأ شخصا يبحث عن احترام وحب الجميع وانتهي بأن صار أضحوكتهم ومثار سخريتهم..الناجحون يرتدون الملابس السادة ذات اللون الواحد والصريح..الطبيعة تعشق الوضوح والصراحة ..العصافير الكثيرة الألوان يضعها الناس في الأقفاص..نعم لا أحد يقتلها ولكنها تعيش حياتها سجينة..سجينة فكرة الناس عنها..هي للفرجة فقط..وفي مجال الأفكار نفس الموضوع..هل تعتقد أن فرويد كان ساذجا ليعتقد أن الجنس هو المدخل الوحيد لفهم البشر..ولكنه ركز علي فكرة واحدة وبهذا اكتسب عظمته ..وبالمثل ماركس عندما قدم التفسير الا قتصادي للتاريخ ..أليس مدهشا أن يكون الممثلون الذين يمثلون دورا واحد هم أشهر الممثلين.. شارلي شابلن ونجيب الريحاني واسماعيل يسن وعادل إمام ..في البدء يبتكرون شخصية فنية ناجحة ويظلون يكررونها..النجاح المستمر في اختلاف الموضوعات وليس في ابتكار شخصية أخري..من أخطاء حياتي أنني في بداية قراءتي كنت مصرا علي قراءة الأعمال الكاملة لكل الكتاب العظماء..والذي انتبهت له مؤخراأن كتابا واحدا يكفي ..يكفي الحرافيش لتستوعب كل مايدور برأس نجيب محفوظ ..وبيت من لحم لتعرف يوسف إدريس ..والأخوة كارامازوف لتعرف دستوفسكي..والملك لير لتعرف شكسبير..وطرطوف لتعرف موليير..وبيت الدمية لتعرف إبسن ..وبستان الكرز لتعرف تشيكوف..وفاوست لتعرف جوته..والاعترافات لتعرف تولستوي..وموت بائع متجول لتعرف أرثر ميللر..وأزهار الشر لتعرف بودلير..والمعقول واللا معقول لتعرف زكي نجيب محمود..وعاشوا في حياتي لتعرف أنيس منصور وسارتروسقراط وألبرتوا مورافيا..
45
في هذا البلد كيف يثق الإنسان في نفسه وفي الطريقة التي يعيش بها حياته..والأصدقاء والأهل والكتاب ومؤلفواالأفلام والإعلانات ورجال الدين يحاولون إقناعنا بأننا لانعيش كما ينبغي علينا أن نعيش...
الجميع يزعم بأنه يمتلك سر الحياة الممتعة والمريحة والناجحة..والسبب في العمل الفارغ والبطال الذي يمارسه المصريون اليوم ..وقت العمل الفعلي لم يعد يتعدي ساعة أوساعتين في اليوم..حتي غرف العمليات تحولت إلي غرف دردشة..والدردشة لفظ عامي عبقري..وفي اللهجة المصرية يبدو أن كل الكلمات التي علي وزن (مفعلة) تشير إلي كل الأفعال المستهجنة والتي لانفع منها ولا طائل من ورائها..تأمل مثلا ثرثرة وطرطشة وبحلقة ومسخرة ومزبلة ومنظرة وفشخرة وأنزحة وأنتكة ومشورة ع الفاضي وروشنة ودروشة وشعوذة وأنتخة ومخولة ومعلقة ..حتي الفرفشة والنعنشة هي تشير إلي سعادة سطحية وعابرة ومصطنعة..
ومن المفارقات العجيبة أن كل هذه الألفاظ تلخص بوضوح العصر الذي نعيشه ..فكل المناقشات عبارة عن دردشة وثرثرة ونفسنة..وكل أفعال الأغنياء – في أفراح أنجالهم وسرادقات أمواتهم ورحلات حجهم – هي عبارة عن منظرة وفشخرة..وكل أفعال الفقراء هي بحلقة ونقورة..وحركات الناس هي سربعة ومشورة ع الفاضي ..وتدينهم دروشة..وخناقاتهم سرعان ما تتحول إلي مجزرة ومطحنة..واللحظات السعيدة التي يعيشونها هي من نوع الفرفشة والنعنشة التي سرعان ما تتحول إلي محزنة ومندبة..واللهجة المصرية تصف الحب وصفا شديد السخرية وتصفه بأنه بهدلة ..وهي تشيرإلي الحب الذي يعانيه الأشخاص غير الناضجين فكريا ونفسيا..وتصف الشخص الزائد عن الحاجة بأنه لاشغلة ولا مشغلة..وتصف الشخص عديم الكرامة بأنه ملطشة..وتصف التبذيربالبعزقة..ويبدو أن الشعب المصري لم يمر بفترة تاريخية فقد فيها حكمته ونضجه كتللك الفترة..كانت هذه الألفاظ تسخر من سلوك فئة قليلة ومن المؤسف الآن أنها أصبحت تنطبق علي الشعب بأكمله..
46
لم يكن أسامة الرفاعي يعاني من سرطان القولون كما تصور..نتيجة التحليل كان ملعوبا فيها مع سبق الإصرار والترصد ..كان أستاذي العظيم دائم الحديث عن عزمه علي الإنتحارإذا تعرض لحادث أو مرض يجعله عالة علي أقرب الناس إليه..الحياة كانت في نظره دائما هي أن تعيش منتجا لآخر لحظة فيها..ولم يتخيل قط أن يستغل تلك المقولة ابنه عمر ضده بمساعدة احمد حسين وطبيب تحاليل في المعمل الشهير الذي كان شريكا بالنصف فيه..ونجحت المؤامرة القذرة ..حقيقة مرضه كان التهابا في القولون يدعي (مرض كرونز)..وهذا المرض أحيانا ما تكون أعراضه شديدة القسوة ..والمغص لا تجدي معه كل أنواع المسكنات المعروفة ..والدم في البراز لا يتوقف..بعد موته بثلاث شهورتغيرت الدنيا تماما ..تسلم أحمد حسين رئاسة مجلس إدارة المستشفي..وكان لابد أن يتخلص من كل مراكز القوي القديمة في المستشفي وعلي رأسهم فتحي عبد المجيد الذي كان ساعد الباشا الأيمن..وقام حسين بتعيين أساتذته في القصر العيني تحت رئاسته..ومن المدهش أن الكثيرين تقبلوا هذا الوضع المقلوب بصدر رحب ..فالكرامة لم يعد لها أي معني ..المهم هو الحصول علي أعلي دخل ممكن ..فمصروفات دراسة الأولاد في الجامعات الأجنبية خيالية ..واشتركات النوادي الهاي و أقساط السيارات وأسعار الشاليهات فوق كل المباديء..
أما عمر فقد قام ببيع الكثير من العقارات بأسعار زهيدة مقارنة بأسعارها الحقيقية بسبب قلة خبرته في التعامل مع وحوش السوق العقاري..المهم أنه افتتح شركة إنتاج ضخمة في مدينة الرحاب علي أطراف القاهرة..وأقنعه أحد أصدقائه بالمراهنة علي كوميديان مغمور أيمانا منه بأنه سيكون الليمبي القادم..وفي العرض الخاص دعانا للحضور..ورفضنا الذهاب..وفشل الفيلم فشلا ذريعا..وتكررت التجارب الفاشلة ..وتل الفلوس اختل ..واختل عقله معه..أصبح يعتقد أن هناك مؤامرة رهيبة تحاك ضده بواسطة فرعون وأعوانه..ومن سوء حظ جنونه أنه كان جنونا يبدو سياسيا وخصوصا أن المجنون مخرج سينمائي ..والمخرج في هذا العصر صار يعامل معاملة الفلاسفة العظام وعلماء الاجتماع وعلماء النفس ومؤرخي التاريخ ومحللي السياسة وتستضيفه القنوات التلفزيونية والجرائد – بكل ألوانها- لتأخذ رأيه في كل شاردة وواوردة من أحوال البلد..تم اعتقاله لعام كامل ..تبين لهم فيه أنه لايقصدهم -لامن بعيد ولا من قريب- فأطلقوا سراحه..في تلك الفترة كان أحمد حسين قد امتد نفوذه واغتني غني فاحشا واستطاع أن يمتلك المستشفي من بابها وأصبح صديقا شخصيا لابن الرئيس..وتولي منصبا هاما في وزارة الصحة وهو لم يبلغ الأربعين بعد..
47
كنت واقفا في أحد ممرات القصرالعيني بصحبة حيدروفتحي وعلا نتناقش في كتاب (ماذا علمتني الحياة؟) لجلال أمين ..وإذا بأختي رشا قادمة نحونا..فجأة ساد صمت ..للمرة الأولي أنتبه أن رشا قد كبرت وأصبحت تمتلك كل هذا الجمال وكل تلك الفتنة..هي الآن في رابعة صيدلة وعلي وشك التخرج..يااااه ..كيف تمضي السنون بكل تلك السرعة..معقول ياربي ..هل مضي علي تخرجي عشر سنوات..هل أصبحت في الرابعة والثلاثين دون أن أدري ..وحيدر في التاسعة والثلاثين ..وفتحي في الخمسين..معقول ..متي وكيف..معقول أولاد صفاء وهبة أصبحوا الآن في الثانوية العامة..تقدمت ناحيتها مفتخرا أن تكون تلك الجميلة أختي ..أن تمت لي بصلة قرابة..وكان الموضوع الذي حدثتني فيه أتفه من أن أتذكره ..لعلها جاءت تذكرني بفرح ابنة خالتي في أحد فنادق وسط البلد ( ربنا فتحها عليهم بالجامد قوي)..وضحكت في سري حين تخيلت أمي وراء مجيئها..أمي تتصور أن كل الأطباء أغنياء ماعداي ..أنا الفاشل الوحيد ..وتريد أن تزوج رشا من طبيب ابن ناس.. لاشيء يحدث صدفة ..مجيء أختي مخطط للإيقاع بعريس..وربما..يدهشني تفكير النساء حد الإعجاب ..هم لا يفقدون الأمل بسهولة ..واليأس كلمة ليست موجودة في قاموسهم ..لديهم ثقة عجيبة في الحياة وأن كل شيء سيصير علي ما يرام..العاقر إذا أقسم لها أكبرأطباء العالم بأنه لا أمل لها في الإنجاب ستظل علي أمل حدوث المعجزة حتي بعد انقطاع دورتها الشهرية ..والعانس تظل تعتقد مهما تقدم بها العمر بأنها عدلها قادم لا محالة..والقبيحة تعتقد بأن روحها الحلوة فوق كل مقاييس الجمال العالمية ولابد أن عشرات الرجال يشتهونها وواقعون في دباديبها..بعد انصراف رشا توالت التعليقات التي أثلجت صدري..ومن المفارقات أن هذا لوحدث منذ عشرات سنوات لاعتقدت بأنه لايسلم الشرف الرفيع من الأذي حتي يراق علي جوانبه الدم ..
نضجت فكريا علي مستوى كبير وأصبحت أحترم وأبارك قوانين الحياة..لم يعد شيء قادرا علي استفزازي..وأصبحت راضيا عن الخطوات المتعثرة التي أخطوها علي درب النجاح ..في غضون عشر سنوات أصبحت حالتي المادية ميسورة..وأنجزت الكثير علي المستوي الروحاني ..قرأت كتبا عظيمة ..وشاهدت أفلاما رائعة ..وأصبحت جراحا يثق فيه مرضاه ..وفي الرواندات تنال محاضراتي رضا الطلبة والطالبات علي وجه الخصوص..وصادقت شخصيات مختلفة ..الحديث معهم لا ينتهي..ورغم الفساد الذي ملأ البر والبحر مازلت قادرا علي الفرح ..مازلت أشكر الله علي نعمة الوجود ..وتعلمت من كل امرأة أحببتها ألا أيأس وأن أنتظر مستقبلا رائعا حتي وإن كان الحاضر عقيما..
Slot Machine Casino Map & Floor Plans - Mapyro
ردحذفRealtime 광명 출장안마 driving directions to Slot Machine 오산 출장안마 Casino, 8401 경기도 출장마사지 N. Michigan, based on live traffic 경상남도 출장마사지 updates and road 강원도 출장마사지 conditions – from Mapyro
The Best Apps and Games For Android ·بوتيكات Boutiqaat Mod Apk
ردحذف