الاثنين، 11 أبريل 2011

حياة جميلة في انتظارك

حياة جميلة في انتظارك

أعترف لك بأنني لم أتخيل أن تكوني صعبة إلي هذا الحد..وخصوصا أن صداقتنا بدأت بسرعة غير متخيلة ..في خلال جلسة واحدة كنا نتحدث كصديقين يعرفان بعضهما منذ سنوات الطفولة..كان هناك انسجام ..وكان هناك ارتياح ..وكان هناك إعجاب متبادل..وكشاعر – والشاعر بطبيعته إنسان متطرف- اعتبرت إعجابي بك حبا..نعم أحببتك ورأيت فيك المرأة التي أتمني أن أعيش معها وأري مراكب أحلامي تطفو في بحيرتي عينيها الصافيتين..ولكن هذه الأمنية كانت مستحيلة..الدين كان جدارا عازلا..ولا أخفي عليك سرا بأن هذا لم يوجعني ..بالعكس ..أفرحني كثيرا..فأنا أكره كل العلاقات التي يفرض عليها العرف أو الدين شكلا محددا..الحب – كالقصيدة- يختار الشكل الذي يلائمه..كالسفينة التي تبحر ولاتدري علي أي ميناء سترسو..كالمسافر الذي ينزل في بلد ولا يعرف متي يعود..شعور سخيف ومؤلم وضد طبيعتنا أن نتخذ قرارا لا رجعة فيه ..لماذا يمتلك الإنسان حرية الإقدام ولا يمتلك حرية التراجع ..أن يعترف بأنه كان نائما واستيقظ ..أن يعترف بأن هذا النوع من النبيذ لم يعد يسكره ..وتلك الأغنية لم تعد تطربه ..الجدارالعازل جعلني أراك بوضوح أكثر..جعلني أسبح في بحارك دون أن أخشي الغرق ..وأجلس علي شواطئك دون أن أخشي التورط..كنت جميلة ..ومرحة ..ومتألقة.. كنجمة من نجمات هوليود ..وكانت رسائلك – المكتوبة بلغة إنجليزية أنيقة – تملؤني نشوة كتلك التي أشعر بها وأنا أقرأ قصائد نزارقباني وإبراهيم ناجي وجبران خليل جبران..وكم صدمني أن ترفضي دعوتي لك لمشاهدة فيلم ليوناردو دي كابريو الأخير(INCEPTION)
الفيلم المستوحي من قصة قصيرة تحكي عن امرأة تعيش في فيلا مهجورة معتزلة الحياة الأمريكية اللاهثة..هذه المرأة عرفت كيف تسعد نفسها بأن تحلم كل يوم حلما وتعيش فيه بكل ذرة من كيانها..وابتدأت تعاستها عندما باعت أحلامها لرجل أعمال بثروة ضخمة..فجأة لم يعد لديها أحلام ..لم يعد لديها إلا واقع رتيب وعفن..واقع لامجال فيه للطفولة والبراءة والتلقائية..كل شيء محسوب بالأرقام..الأرقام التي كلما زادت في البنوك ونقصت علي لوحة السيارة كلما ازدادت أهمية الإنسان..اعتبرت رفضك نوعا من المراوغة ..المراوغة التي تحترفها كل أنثي جميلة..وبها تشتعل رغبة الذكر ويزداد إصرارا علي مطاردة فريسته..ولكنك لم تكوني أبدا بالنسبة لي مجرد فتاة جميلة أسعي إلي ضمها إلي رصيد انتصاراتي العاطفية..بصدق أقول لك أن ثوب الدنجوان أوسع مني بكثير..ولا أمتلك وردة الخسة التي يضعها في عروة جاكتته..نعم يخجلني أن أكون شابا بلا تجارب ( وهو نموذج أنفر منه)..ولكن هذا لا يعني أن كل ما يهمني- علي حد قولك في مكالمتك الأخيرة- أن أصل إلي جسدك(طبعا منعك الحياء من أن تقولي هذا صراحة) ..الشهور التي مضت علي لقائنا الأول ..والأحاديث التي دارت بيننا..واللقاءت القليلة التي جمعتنا في مكان عملنا..أثبتت لي أنك أصبحت مني ..وأن وجودك في حياتي أصبح ضروريا ضرورة الجفن للعين ..والأصابع لليد..والنجوم لأمسيات العاشقين..
وهذا ما تأكدت منه عندما أصبحت حريصا علي أن أراقبك من النافذة- عندما تتركيني وترحلين – مراقبة أب لابنته الحبيبة..هل يضحكك هذا التشبيه؟؟..هل تريدين أن تصعدي علي برج القاهرة وتصرخي( يانصاااااااااااااااااااااااااااااب)..لم يعد يهمني أن تصدقي أو لاتصدقي..فأنا علي يقين بأن العالم – بكل أكاذيبه- لايستطيع الوقوف في وجه كلمة صادقة..ولن أقسم لك لأن أصدق المتألمين هم من يتألمون في صمت..وأصدق العاشقين هم الذين عاشوا قبل ظهورالأغاني العاطفية..والعصفور الذي يرتعش تحت المطر لا يحتاج إلي أخبارأحد بما يشعر به من برد..أعرف ياصديقتي أن العمر لم يعد يسمح لنا بترف التحليق في سماوات المشاعر الأفلاطونية..كبرنا علي لعبة الحب من أجل الحب..للواقع قوانينه الظالمة..ولكلام الناس جبروته..وللقلب أن يضع – بكبرياء ذليل- شرايينه في كلابشات الزمن الحديدية..وللأحلام الخضراء أن تختنق في زنزانة الكوابيس..
منذ أكثر من خمس سنوات شاهدت فيلما فرنسيا جميلا يحكي قصة شبيهة لقصتنا وطوال الفيلم كنت أنتظر أن يبدأ..ولكنه انتهي فجأة..ونظرت غير مصدق للساعة فإذا بساعتين قد مرا منذ بداية الفيلم وأنا لا أشعر..وتعلمت من هذا الفيلم أن جمال الحياة يكمن في رتابتها لافي إثارتها..وفي أحداثها العادية لا في أحداثها الصاخبة..وأن أروع السيمفونيات تلك التي يعزفها طفل أفريقي علي مزمار من البوص وهو جالس علي شاطيء نهر في أعماق غابة..تعلمت أن أكتشف حواسي المطمورة تحت ركام
الضجيج اللوني والصوتي والشكلي..تعلمت أن أقرأ في كل موعد أراك فيه تاريخ الشوق وجغرافيا الحنين..وأن أسمع في كل مكالمة هاتفية جميع ماهمس به النسيم في أذن الشجر وفي أذن الضفائر..تعلمت أن أصطحبك – وأنت جالسة في بيتك- إلي فنادق الشعر وأبراج البوح وحدائق البهجة..قلت لك من قبل أنك سقطت علي كما سقطت التفاحة علي نيوتن..وهذا ليس صحيحا..فأنا أحببتك مع سبق الإصرار والترصد..منذ ولادتي وأنا أبحث عن أمراة لها نفس ملامحك ..ونفس ثرثرتك ..ونفس سكوتك الدفيء..في يوم ما سأذكر أنك سرت في طرقات قلبي ..وجلست علي المقاعد الخشبية تحت شرايينه ..واستحممت عارية في جداوله..وأعدك أنني لن أفتح صدري بعد افتراقنا- الذي أتمني ألا يكون ولكنني واقعي-إلا امرأة لها طيبتك وذكاؤك وجاذبيتك..أعرف أن مشاعري قد لاتكون صادقة مئة فى المئة..وقد يكون خلف هذه الرسالة الطيبة نية خبيثة في إقناعك بأن رجلا علي وجه الحب أو علي ظهره لن يحبك كما أحببتك..بل المصيبة أنني قد لا أستطيع أن أحب أحدا سوي ذاتي..فمن خلال قراءتي لقصص حياة الشعراء السابقين اكتشفت تلك الحقيقة المؤسفة..وهي أننا – معشر الشعراء- عاجزون عن الخروج من أنفسنا والدخول في إنسان آخر..ولكنني اكتشفت أيضا – وهذا سلواني- أنني أحب نفسي فيك..ومعك لا أشعر أنني أجلس في حضرة إنسان غريب عني..بل أنت أنا..معك لا أحتاج للتجمل..ولا أفكر في الكلام قبل النطق به..ولا أتحفظ..ولا أشعر بالحرج من أي شيء..وربما لو وجدت امرأة مثلك – علي نفس ديني- ما ترددت لحظة واحدة في الارتباط بها..المهم أن ترضي هي بي..أفكر فيك كثيرا وأقول لنفسي بأن وجودك في حياتي مهم ..ولكن هل العكس صحيح؟؟..وأحاول أن أضع نفسي مكانك ..ويصدمني أن تكون الإجابة (لا) ..ومع ذلك أتقبلها..لأن العقل هو الذي يقول هكذا..والصراع الذي تعانيه كل البنات في المجتمعات الشرقية هو الصراع بين التوقع والواقع..هناك بنات يقبلن بمنتهي الواقعية أول من يطرق الباب ويمتلك الحد الأدني من توقعاتهن..فطالما هو جاهز ماديا وقادرعلي فتح بيت ويوجد شيء من الارتياح فهو مقبول..قد لايكون بالوسامة المتوقعة..ولابالرجولة وقوة الشخصية المتوقعة..ولكن هذه الأشياء لا توجد إلا في السينما فقط..المهم أن تري الزميلات في الدراسة أو العمل الدبلة وهي تلمع في اليد اليمني..وبقدر الإمكان سأحاول الظهور أمامهن بمظهر السعيد لكي أستمتع بنظرات الحسد في عيونهن..فخطوبتي المبكرة معناها أنني أكثر أنوثة منهن حتي وإن كنت أقل جمالا..هكذا تقول البنت الواقعية لنفسها..وأحيانا ما تقوم بواقعية لا أخلاقية – بمنطق الزمن الذي نعيشه- بتقسيم العمل..بمعني أنه لايجوز أن نخلط بين الزواج والحب..ودع مالله لله وما لقيصر لقيصر..هي تتزوج إرضاء للمجتمع وتمشي علي حل شعرها إرضاء لشهوة القلب والجسد..والبنت من هذا النوع هي غالبا لاتعرف معني للحب الروحاني..الحب دائما هو لقاء الجسد بالجسد..الحب هو سيل لاينقطع من الدباديب والاكسسوارات وزجاجات البرفان..ولعلك تعرفين الكثيرات من هذا النوعية..وهذه النوعية نوعان..واحدة تستمتع بإذلال الرجل الذي يلهث خلفها وتقوم بابتزازه ماديا ومعنويا(وهو طبعا يستحق ذلك)..والأخري لاتحب إلا الرجل الذي يريها النجوم في عز الظهر ولا يتورع عن إهانتها وضربها أمام الناس ومع ذلك هي تبوس التراب الذي يسير عليه وقد تنتحرإن تخلي عنها أو تعيش العمر تبكي عليه..وهذه النوعية هي التي تنتمي إليها أغلب بنات مجتمعنا ياصديقتي..أما أنت فأرفع من ذلك وإن كنت علي يقين بأنك مررت – في مرحلة من حياتك- بجميع المشاعر السابقة قبل أن تصلي إلي ما أنت فيه اليوم من عقلانية ومثالية في النظر إلي موضوع الزواج..ويؤسفني أن أقول لك بأن الموقف الأخيربقدر ما فيه من ترفع وقوة وحرية بقدر مافيه من قلق ووحدة ويأس..أنت الآن ياصديقتي قررت أن تختاري زوج المستقبل بمحض إرادتك وبكامل حريتك واعتبرت تدخل الأهل والأقارب والجيران تدخلا لامعني له ..فهذه حياتك أنت لا حياتهم..وهذا صحيح..ولكنك في نفس الوقت مطالبة بتحمل مسئولية نفسية ثقيلة..وبإذن الله ستقدرين علي تحملها..وسيكون قلق نافع ولن يكون يأس ..فمن له مثل عقلك وقلبك لاخوف عليه من تلك المشاعر السلبية..أنا علي ثقة بأن حياة جميلة – تستحقينها عن جدارة- في انتظارك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق