1أضحوكة الجميع
تشتهيها.. كأن إكسير الحياة في كوب الشاي الذي تقدمه لك قبل أن تضع سماعتك علي صدر أول مريض..تقدم ياأحمد ولاتقف..أن تعيش بالجنون أفضل ألف مرة من أن تعيش بالعقل والندم..ما أبشع أن تكتشف فجأة أنك عشت طوال حياتك أضحوكة للجميع..أحمد هو الشخص الذي بلغ سن اليأس ولم يحتلم بعد..هذا ما يقوله أولاد الأفاعي عنك في غيابك.. عشت عمرك – في رحاب المرحومة – مستمتعا بقفا الدنيا الباسم فهل كان من الممكن أن تموت دون أن ترى وجهها الدميم.. ربما يقولون أيضا أنك تعانى عقدة أوديب..وكلامهم – رغم بشاعته -لايخلو من حقيقة..في الخمسين من عمرك ولاعيادة لك.. ولازوجة لك..ولا عشيقة لك.. ولا هواية لك.. ليس لك إلا أحلام اليقظة والعادة اللعينة..ليس لك إلا مشاهدة أفلام الكرتون ولعب الفيفا..ليس لك إلا البكاء علي عمرك المسكوب.. مبارك عليك..لم يكن بالإمكان أن ترضي بك سوي هذه الممرضة الأربعينية الطيبة العانس مثلك..التى لاتشتهيها..لاتشتهي سوي كوب الشاي الذي تقدمه لك..ما أبشع أن تتأكد فجأة أنك ستظل بقية عمرك أضحوكة نفسك..
2 كائنات تستحق الضرب بالحذاء
بعد حصولك علي بكالوريس التربية بتقدير جيد جدا سيكون كل حلمك أن تعمل مدرسا بالحصة في المدرسة الاعدادية التى كنت تدرس بها..وبوساطة عضو مجلس الشعب – ابن عم خالة والدتك – سوف يتحقق حلمك..ستفرح فرحة طاغية .. وستوزع والدتك زجاجات البيبسي علي سكان شارعك.. بعدها سيكون كل حلمك أن يتم تثبيتك.. لكنك ستضطر أن تصحو مبكرا للتوقيع في دفتر الحضور..يامن تعودت علي السهر حتي صلاة الفجر..لماذا تنام قبل أن تصلي؟؟ ستثور علي نفسك بدون مقدمات..وسيأتيك اليقين – بمساعدة شيوخ الفضائيات والميكروباصات – بأن ابتعادك عن طريق ربنا هو سبب ما أنت فيه..لذا ستطلق لحيتك ولن يضايقك منظرها الرث يا دنجوان زمانك .. وتنضم إلي جماعة التوحيد لمدة شهرين كاملين.. ثم تفاجأ بثورة أبيك وسخرية طلابك وتهديد ا.ابو الفضل – ناظر المدرسة – بإلغاء التعاقد معك..ستتراجع لأنك أجبن من أن يكون لك موقف..وستحاول الاندماج مع مجتمعك الجديد..ولكن ستشعر بالاغتراب حين تجلس مع زملاءك – مدرسيك سابقا – في الحجرة التي تعبق بالملل والكآبة كأحاديثهم وسندوتشاتهم..كائنات كنت تظن أنها انقرضت فكيف عادت إلي الحياة .. كيف؟؟
كائنات كنت تسمح لها بالاعتداءعليك بالسب والضرب اذا ما تكاسلت عن أداء واجب بغيض كوجوهم الكالحة..كيف؟؟ وشكل المدرسات الذكوري سيجعلك تتساءل لماذا لاتحاكم الدولة أزواجهن بتهمة الشذوذ العلنى..
ولكن أ. أبوالفضل – الخارج لتوه من مسلسل تاريخي مصري- سيعيد تربيتك من جديد.. سيمنعك من دخول المدرسة بقميصك الربع كم وبنطلونك الجينز وحذاءك الرياضى ..ولكن الأمر ليس بيدك..الأمر بيد جو سبتمبر الخنيق وحرائق قش الأرزوعوادم الجرارات الزراعية والتكاتك ومياه المجاري الطافحة باستمرار..وسينهزم الزمالك – ناديك الاثير للأسف- أمام مركز شباب بني عبيد..ولن تضحك علي إفيه واحد في فيلم الزعيم الاخيروعليه العوض في ثمن التذكرة..
في اليوم التالي ستذهب إلي المدرسة وعفاريت الغضب تقفز في وجهك.. لذا ستشرح الحصة في أقل من عشر دقائق ثم تنام مرهقا علي مكتبك..من سوء حظك سيدخل أ. أبو الفضل ويقوم بتوبيخك ويبدأفي الموشح المعتاد عن زمن التعليم الجميل..ستنفلت
أعصابك كما لم يحدث لك من قبل..وستخلع حذاءك وتنهال به علي أم رأسه فى ضربات متوالية عنيفة وأنت تصرخ:
الجو صعب..وحال الزمالك صعب..وحال السينما صعب ..وانت صعب..يلعن أبوك ياكلب يابن الكلب..
ثم تهدأ فجأة..ثم يسود صمت عميق للحظات..ثم يجتاحك تصفيق الطلبة المدوي..
وهتافاتهم المؤيدة المتعاطفة..وسيحاول الجميع بعد ذلك – بما فيهم الكائنات المنقرضة- أن يكون لهم موقف مثلك يابطل...
3 زوجة الشيخ
لايزال هذا الرجل بالنسبة لي حتي الآن لغزا لاأفهمه ولا يفهمه أحد من شارعنا..
حتي أبي-صديقه الحميم-لايتحدث عنه إلا بكل خير..وأسأل نفسي تراه لا يعرف ماذا
يقول الناس عن سيرة زوجته وسيرة أهلها؟؟
ولكنني أدين له بالفضل..فعلي يديه حفظت القرآن كاملا..قبل أن أدخل المدرسة الابتدائية..وبفضل علاقاته الطيبة مع جميع أساتذتي تمتعت بالتدليل منهم طوال فترة دراستي..الغريب أن الناس رغم ما يتاهمسون به سرا إلا أنهم يحترمونه ويلجأون إليه في حل مشكلاتهم..قلت لنفسي لعلها إشاعات..وفي بداية المراهقة هجمت الهرمونات هجمة شرسة علي أعصابي ولم أستطع أن أتصدي لها بكل ما أحفظ من أقوال مأثورة.. لذا وجدتني أقف بالساعات خلف شيش شباك حجرتى المطلة علي حجرة نوم الشيخ..وعندم لمحتني زوجته وأنا أتلصص عليها وهي تخلع قميص نومها
شعرت بالرعب إلا أنها ضحكت..فتأكدت من صدق ما يقال..وفي لحظة شجاعة دفعتني إليها رغبة متأججة ذهبت إليها في وقت صلاة..تنفتح لي أبواب النعيم أنهل منها كيفما أشاء..وتكرر الذهاب وزاد الاطمئنان وطال المكوث..وكان لابد أن تأتي الطوبة في المعطوبة..يفاجئنا الشيخ..لا أتذكر ما حدث بعد ذلك إلا وجودي في قطار متجه إلي مدينة نائية..وعلي عكس ما تصورت سرعان ما أخذتني الحياة ونسيت الحادث وعاري وعار عائلتي الطيبة..وإن كان إحساس غامض بالقذارة لايفارقني..
أخلق لنفس آلاف المبررات ولكني لا أستعيد راحة بالي المفقودة..أفكر أن أرسل له رسالة اعتذارثم أتراجع خشية أن يستدل علي عنوانى..
بمرور الاعوام تتبدل ملامحي بصورة تجعل من المستحيل أن يعرفني أحد من أهل قريتي..معي من المال ما يكفي لشراء منزل جميل وميني ماركت أستعين به علي المعيشة في الايام الباقية لي في هذه الحياة..عندما تقف السيارة فى مدخل القرية أشعر بالرعب ..القرية هي هي..لم يكد يتغير فيها شىء..كأنني فارقتهاالبارحة..متى يتوقف كل أحدوكل شىء عن خداعي؟؟..الاب والام والشيخ والمكان والزمان والقرية والمدينة..وما معنى هذا المشهد الذي أراه الآن؟؟ الشيخ يخرج من الجامع متأبطا ذراع أبي..ويلوحان لي بذراعهما!!!
4 لعبة الأب وابنه
لايعرف أحد في عربة القطار أن تلك المحجبة الجميلةكانت حبيبتي طوال أربع سنوات كاملة..وأنني أحفظ جسدها جزءا جزءا عن ظهر يد وعن ظهر لسان..وان الطفل الوسيم خفيف الظل الذي يجلس علي ركبة الأخ الملتحي جوارها ربما كان ابنى..سبحان مغير الاحوال..في البداية لم أعرفها..ولو لم ألمح طيف ابتسامةعلي شفتيهاعندما التقت عينانا لقلت يخلق من الشبه أربعين..يابنت الأيه يامروة؟؟مالذي جمع الشامي علي المغربي؟؟الله يتقبل التوبة..ولكن نظرة عينيك الشهوانيةتؤكد لي أن توبتك غير نصوح..اذن ألست أولي من الغريب..المرأة لكى تصطاد عريسا لابدأن تكون بريئة بلهاء أو عاهرة لئيمة .. جملة قرأتها ذات مرة ولاأذكر لمن..لم ينتشلني من أمواج ذكرياتي المتلاطمة سوي صوت الطفل المسرسع وهو يدبدب في الارض:
بابا ..هاتلي بالونة من الراجل ده..والنبي ياماما قوليله يشتريلي بالونة..
لايعرف أحد في القطار أن بائع البالونات حاصل على بكالوريوس علوم سواها..
الأب يجيب بلهجة حازمة:
عشان حلفت بالنبي مش جايب بالونات..قلتلك ألف مرة حرام
اضطر للا نصراف
يجهش الطفل بالبكاء:
أنا مش عايزك تبقي بابا
ويمسك بطرف قميصي:
أنا عايزك انت تبقي بابا
أومىء بالايجاب وأناأبتسم ابتسامة حانية ممتزجة بالمرارة وأنظر لابيه المتجهم:
ابنك زي العسل يابيه..تسمحلي أديله بالونة هدية..
ينفجر: انت هتبقشش عليا يا حيوان..أكتم غيظى ..
يتأملني الطفل مندهشا من صمتي ويصرخ غاضبا:
هو مافيش حد في البلد دي قادر يوقف الراجل ده عند حده ليه؟؟
همست في سري:أمك استطاعت ولكنها لاتجرؤ علي إعلان ذلك..
5 الفشار
- ارحم صدرك م الدخان يا حبيبي شوية..حرام عليك شبابك..
تقولها أمى بصوت يتمزق خوفا علي..وأنا كالذي يذهب إلي حتفه طائعا..يرتبط التفكير عندي بالتدخين..كأن السجارة هي المهندس الذي ينقب عن الأفكار في آبار عقلي..وفي النهاية مالذي يعود علي من إبداعي سوي خيبات أمل متكررة..نحن في زمن الكتاب الذين لايعرفون شيئا عن عباس العقاد سوي أنه شارع شهير في مدينة نصر..يقول لي صديق يعاني نفس إحباطي:
اسمع ياخالد..أيام عبد الناصر كان فيه زعامة في كل حاجة..
عبد الناصر زعيم سياسي..نجيب محفوظ زعيم الرواية..يوسف أدريس زعيم القصة القصيرة..أم كلثوم زعيمة الأغنية ..وهكذا..أما في هذا الزمن فالشخص العادي والمحدود الطموح والقدرات هو الذي تولي الزعامة..حاول ان تتأمل الموجودين علي الساحة الآن في كل المجالات..مطربون أصواتهم لا تكاد تتميز عن صوت الشخص العادي ومذيعون أسلوبهم في الحوار لا يختلف عن أسلوب رواد المقاهي..وسياسيون لايفهون في السياسة أكثر من ربة منزل..
أتذكر رواية الشحاذ ..وأقول لأمي أنني سأتوقف عن التدخين في مقابل أن تعلمني كيفية عمل الفشار..
يسقط لتنهض
1
ماهي العلاقة بين الشعر(بكسر الشين) والشعر(بفتحها)..قلت لنفسي لابد أن هناك علاقة ما.. وأطلقت لخيالي العنان..الشعر ( بكسر الشين) كان عند العرب القدماء بمثابة التاج الذي يلبسه الشاعر وتفتخر به القبيلة..والشعر الجميل ( بفتح الشين) كان أيضا رمزا للعزة والكبرياء..وكانت حلاقة الشعر علي الزيرو ( زلبطة) تحمل معني الخضوع والاستسلام..تأملوا مثلا ما يحدث في الحج ..وما يحدث مع عساكر الجيش..وأتذكر – ونحن أطفال- كان أكبر عقاب هو أن يقوم الأب بحلاقة شعر الأبن بالموس..وكم كان مخزيا أن نسير بين رفاقنا ونحن علي هذا الوضع المهين..وفي التاريخ الحديث كانت تغطية الشعر دليلا علي الالتزام والاستقامة..ومن المفارقات التي لا تخلو من طرافة أن وضع أحد المرشحين للرئاسة في عام 2005بندا رئيسيا
يطالب فيه بعودة الطربوش ..واعتبر ذلك خطوة أولي لعودة الأحترام والشهامة في
الشارع المصري..
2
يبدو لي اليوم الذي أحلق فيه شعري ككابوس..دائما أخرج من صالون الحلاقة ويمزقني شعور غامض بأنني تعرضت لعملية تشويه..وأعود للبيت وأنا أتمني ألا يراني أحد من أصدقائي..وأظل فترة كارها النظر ألي شعري في المرآة..كما أن المبلغ الذي أدفعه للحلاق أراه دائما أكثر مما يستحق..وتضاعف كربي عندما أخبرني صديق – ونظرات الشماتة والفرح تلمع في عينيه- أن رأسي في طريقها نحو التصحر..ولم يعد حديث يدور بيني وبين الحلاق سوي عن سقوط شعري اللعين
(اللي لو كان عزيز ..ما كانش طلع في........)..قررت ألا أذهب إلي هذا الحلاق الرذيل( وهل يوجد حلاق علي وجه الأرض لا يتمتع بتلك الفضيلة؟؟)..
وظللت أنتقل من حلاق إلي آخر حتي أهتديت إلي سيد أبو حلاوة..شاب في الثلاثين من عمره ..شديد الهدوء ..والابتسامة البلهاء لا تفارق شفتيه..نادرا ما يغامر ويجرؤ علي فتح أي حوار..هو دائما صامت..صمت أبي الهول..وكان هذا ما أبحث عنه..كلام الناس لم يعد له غاية سوي حرق الدم وتسميم البدن..نادرا ما تقابل إنسانا يتحدث عن مزاياك المادية أو المعنوية..الجميع يفتش عن عيوبك..
- شعرك راح فين يابوعلي..طب اجدعن والحق اتجوز..البنات ما يكرهوش قد العريس الأ صلع..
- وكمان بقالك كرش ..أصلع وبكرش..إنت حالك بقي يصعب ع الكافر..
- والله وكبرت يابوعلي ..دانت ولا اللي عنده خمسين سنة..
- مش ناوي تسافر بقي عشان تعملك قرشين وتبدأ حياتك..
- أيه البلوفر اللي انت لابسه ده..موضته انتهت م الستينات
3
ذات مرة فاجأني سيد وتكلم ..وكان كلامه مليئا بالشجن والتأمل..قال
- عارف يأستاذ حسن ..أنا عمري ما قابلت حد اسمه حسن ومش أصلع..
وأذهلتني ملاحظته..وبسرعة تذكرت كل من لهم نفس اسمي ..وكدت أن أنقلب علي ظهري من الضحك عندما وجدتها صحيحة ..علي الأقل في دائرة معارفي..
ومنذ هذا اليوم أدمنت الحديث معه..هاهو إنسان قادر علي إدخال السرور علي قلب من يتحدث معه بعفوية طفل عجوز..ومرة أخري قال
- أنا مش متخيل الواحد يكبر من غير ما شعره يقع..باحس إن الزمن بيضحك عليه..سقوط الشعر وبياضه لفتة جميلة من القدرإننا نعرف قيمة العمر اللي بيعدي واحنا مش دريانين..إنت مش ملاحظ يأستاذ حسن إن كل الدكاترة والأساتذة المشهورين في بلدنا صلع ..زي ما يكون الصلع بيخليهم يسابقوا الزمن..مش فيه حديث بيقول الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ..والصلع عبارة عن موت جزء من أجسام الجسم ..عشان كده الصلع بيفوقوا..طلبة الثانوية العامة قبل الامتحانات بييجوا يحلقوا ع الزيرو واسألهم ليه يقولوا عشان نفوق للمذاكرة..يابختك يأستاذ حسن..
4
من يومها وأنا لا أري صلعتي في المرآة إلا وأتذكر كلمات سيد أبو حلاوة ..وأضحك من أعماق قلبي..وأنتظر النجاحات التي ستأتيني بسببها..
الوليمة
أنا خلف سالم ..أحد هؤلاء الذين صاروا في المظاهرات التي هزت عرش وزير الثقافة سنة 2000 بخصوص رواية (وليمة لأعشاب البحر) للروائي السوري حيدرحيدر..وأفيد علم سيادتكم بأنني لم أقرأ الرواية ولم يسبق لي أن قرأت أي رواية أخري..القراءة عادة كريهة بالنسبة لي..الكل يمتدحها ولا أعرف لماذا..وكل القراء الذين أقابلهم هم شخصيات مترددة ومعقدة ومريضة نفسيا..هم أناس لايثقون في عقولهم ..ويتسولون الأفكار من الآخرين..أنا – بلا فخر- قادر علي قراءة وجوه البشر أفضل من كل الكتاب..إنني أستمع إلي أحاديثهم التلفزيونية وأندهش كيف ينال هؤلاء البلهاء الساذجون كل تلك الشهرة..علاقتي بالقراءة تنحصر في قراءة مانشيتات الصحف الخاصة بالفن والرياضة..أنا خلف سالم ( اسمي له وقع جميل علي أذني لذا أحب أن أردده كثيرا)..طبيب بشري ..تخصصت في طب النسا والولادة..في الثالثة والثلاثين من عمري..تخرجت في جامعة الأزهر..في المدينة الجامعية كنت أجلس في أمان الله وأفعل أبغض الحلال إلي نفسي..أذاكر( أكاد أن أتقيأ وأنا أنطق بتلك الكلمة الجوفاء)..لا بد من صوت محمد فؤاد بجانبي لكي أستطيع المواصلة..أغانيه هي الزيت والليمون الذي أضعه علي فول الكتب..وبذلك أستطيع أن أهضمها..فجأة سمعنا صراخا في شبابيك المدينة الجامعية الخاصة بالطالبات..في أقل من خمس دقائق كنا محتشدين كالخراتيت أمام مبني مدينة الطالبات..تخيلنا حريقا في السكن..ولابد أن ينزلن الآن بملابسهن الداخلية..ويالها من لحظة تاريخية وأنت تري المحجبات والمنقبات وهن في قمصان النوم..في تلك السن كانت أي كلمة تنتهي بتاء التأنيث كفيلة بإشعال آلاف الحرائق في الدماء والعيون وأعضاء أخري..حالة من الهرج والمرج..يراودني إحساس مبهج بأنني علي وشك دخول بيت دعارة يسمح بممارسة الجنس الجماعي..أسأل الشربيني- أتخن طالب في الدفعة-
- هو فيه أيه ياشربيني؟؟
يجيبني بخفة ظل يتمتع بها كل ذوي السمنة المفرطة
- بيقولوا البنات عاملين مظاهرة عشان كلية الطب تبقي مشتركة..
إذن الموضوع يستحق أن نتظاهر معهم..ساعة ونحن محتشدون ولا نعرف السبب الحقيقي..كل ما نشعر به هو سعادة عصية علي التفسير..كانت الا متحانات علي الأبواب..وكنا متوترين..وكان هذا الاحتشاد فرصة للهروب من التوتر..ومن المذاكرة..ومن الكبت الجنسي الرهيب..كانت هناك طاقة مكبوتة ..وها هي الآن تجد ثغرة للانطلاق..ولكن لابد أن يكون هناك سبب ..وإلا كنا مجانين..يزداد الهرج والمرج..الأمن يتجمع..يتجرأ بعض الطلبة ويقذفون الأمن بالحجارة..بدأ القلق يتسرب إلي نفسي ..ولم أشعر بالارتياح إلا حين صاح أحد الطلبة الذين ينتمون إلي أسرة النصر المنشود ( إخوان مسلمون) بأن وزارة الثقافة طبعت رواية يتطاول مؤلفها الملحد علي الله والرسول والقرآن..ازداد الهرج والمرج..قلت لنفسي أنها فرصة ذهبية للضغط علي رئيس الجامعة..ومحاولة لإرضائنا من المؤكد أنه سيعطي الأوامر للعميد ليجعل الامتحانات سهلة..ازددت غضبا..وأنا أندد بالوزير الكافر..وبقية الطلبة ينددون ويصرخون ..حتي الشربيني- مدمن أفلام البورنو – كان يندد..ويسب بالدين المؤلف والوزير..اتصل الأمن برئيس الجامعة( أحمد عمر هاشم)..جاءنا الرجل مفزوعا وأعلن تضامنه معنا..وصلي معنا الفجر..ووعدنا أن يثير الأمر في مجلس الشعب..هدأنا قليلا..إحساس رائع أن يستمع إلي صوتك أحد من علية القوم..القوم الذين اعتادوا أن يأمروك ..ها أنت تأمرهم ولا يملكون إلا الإذعان..في الصباح الباكر عدنا إلي نفس هياج البارحة..إعادة التجارب الناجحة غريزة بشرية متوحشة..عندما تحكي نكتة وتنال الاستحسان لابد أن تكررها..وعندما تضاجع امرأة وتصل إلي الأورجازم لابد أن تعيد المحاولة آملا في الحصول علي نفس اللذة..ولكن هيهات..غالبا ما يخيب ظنك..وعندما يغضب طفل ويتمرغ علي الأرض ويلمح أمارات الجزع علي وجه أمه فإنه يعتقد – بخبث شيطاني- أن مزيدا من التمرغ يعني مزيدا من تعذيب الأم ومزيدا من إحساسها بالندم ومزيدا من النزول علي تلبية رغباته في المرات القادمة..وانقلبت القاهرة..حشود غفيرة من الأمن المركزي تحاول السيطرة علي الهياج..قنابل مسيلة للدموع..مزيد من الهياج..طلقات مطاطية في الهواء ..مزيد من الهياج..وفجأة انقلبت الملهاة إلي مأساة ..عندا اخترقت رصاصة مطاطية عين الشربيني..وابتدأ الهروب الكبير..الأمر كان بالنسبة لمعظم
الطلبة محض تمثيلية مسلية..ولم يتصوروا أبدا أن يصل الأمر إلي هذا الحد ..حد أن يفقد أحدهم عينه..وبالتالي مستقبله..عاهة ستظل تطاردك في سكناتك وحركاتك..كيف ستعمل ..ومن سترضي بك للزواج..والمشكلة أنك لم تفقدها في الدفاع عن عرضك أو شرفك أو وطنك أو دينك..العدو كان أتفه من محاربته..روائي حقير يتطاول علي مقدساتك الدينية..إن في محاربتك له إكبار وتشريف لا يستحقه..وما الخطورة علي شجرة طيبة – أصلها ثابت وفرعها في السماء- من حجر يقذفه طائش أو أحمق أو مجنون..عنف الأمن بدأ من تجمع المظاهرات في طريق صلاح سالم( أورطي القاهرة)..كادت القاهرة أن تصاب بالشلل التام ..هناك طائرات لا بد أن تقلع في مواعيد محددة..هناك أفواج سياحية..هناك وهناك وهناك..كل شيء في الحياة لابد أن يمر بثلاث مراحل ..بداية ووسط ونهاية كما يقول أرسطو..في المدينة نعتصم ..نضرب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام ..لا نأكل إلا ما يجعلنا أحياء( أصارحكم أنني كنت آكل وأشرب وأدخن في الخفاء)..جريدة الشعب تتزعم الغضب( خبطة صحفية يجب اعتصارها إلي أقصي قطرة..فرصة ذهبية للوصول إلي أعلي رقم توزيع)..
وأسرة النصر المنشود( فرصة لاستعراض الإخوان المسلمين لعضلاتهم السياسية أمام حكومة الحزب الوطني..إحنا محظورة..طب اتفرجوا..والله لنجيب عاليها واطيها) ..شيخ الأزهر يعلن تضامنه معنا..البابا يعلن تضامنه معنا..الفنانون يعلنون تضامنهم معنا..لكم أن تتخيلوا شعورنا- نحن طلبة الأزهر- وقد أصبحنافي بؤرة الضوء..والجميع يسعي لإرضائنا..وللأسف تم سحب الرواية من المكتبات..وانتهي كل شيء..كأن كل هذا قد حدث ليفقد الشربيني إحدي عينيه فقط..
حيث لايعرف الصغار شيئا عن محصول القطن
لا أستطيع أن أتذكر أيام طفولتي دون أن أتذكر محصول القطن..الخولي..جمع الدودة..منظر الطائرة الهيلوكوبترأثناء الرش..عيدان الحطب فوق البيوت الطينية الواطئة..موسم الحصاد الأشبه بالمهرجان..حالة البهجة التي كانت تملأ كل الوجوه..أكياس القطن في وسط الدار..محفظة أبي المليئة بالنقود..أطقم ملابس جديدة لي..لا أستطيع أن أتذكر أيام طفولتي دون أن أتذكر أحمد فوفو..فتوة أطفال شارعنا..الذي لولاه لأصبحت من ضمن الأنفار الذين يجمعون القطن..يؤمن بموهبتي..يسميني الساحر..يقدمني للعب في شلة الأطفال الأكبر سنا رغم أنف الجميع..ويكون أول من يتصدي لمحاولات انحرافي الأولي وأنا علي أعتاب المراهقة..وبفضل تشجيعه تقدمت للانضمام في فريق الناشئين في نادي المينة التابعة لها قريتي..وتبدأ أولي خطواتي في طريق المجد والشهرة والمال..وأصبح في غضون سنوات قلائل واحدا من ألمع النجوم في تاريخ الكرة المصرية..وأنضم – أناوأسرتي- لشعب آخر لايمت للشعب المصري المطحون بصلة اللهم إلا خانة الجنسية في البطاقة..في الأيام القليلة الماضية تذكرت أن لي قرية ولدت بها منذ عصر سحيق..وأنني يمكنني أن أكون نائبا عن الدائرة التي تضمها في مجلس الشعب في دورته القادمة..وعندما عدت إلي القرية كانت معالمها قد تغيرت تماما..امتلأت بالبيوت الشاهقة والسيارات الفارهة والمحلات الأنيقة وأطباق الدش ومقاهي النت..ولكن لابهجة في عيون الكبار..والصغار لايعرفون شيئا عن محصول القطن..واحمد فوفو الله يرحمه..
حادث انتحار مخرج مغمور
1
الآن فقط يلتف الآخرون حولك..يهتفون باسمك..يعرفون قدرك..لاحديث للفضائيات ولا للجرائد الصفراء والحمراء والسوداء إلا عنك..أنت الذي لم يشعر بك أحد طوال عمرك المنصرم..انتحار المخرج الواعد..انتحارصاحب الفيلم الأجرأ في السينما المصرية..الجميع يشهدون لك بالعبقرية..ويشهدون لأنفسهم أنهم تنبأوا بذلك..رفاق الطفولة..مدرسوك..سكان شارعك..أزهار شرفتك..مفتاح شقتك..وعن انتحارك الشيوخ يتحدثون..فاصل إعلاني..والأطباء يتحدثون..فاصل إعلاني..والنجوم يتحدثون..فاصل إعلاني..حوار مع والدتك وهي تسير في جنازتك متشحة بالسواد والدهشة..فاصل إعلاني..وعلي الشريط الذي يمر أسفل الشاشة سؤال من مواطن بسيط يريد أن يعرف من أنت؟؟.. ثم فاصل إعلاني..فاصل إعلاني ..فاصل إعلاني..
2
ينتهي عرض فيلمك الأول..تلتهب أكف الحاضرين بالتصفيق..تلتف أسراب الجراد حول البطل..وسيل من الشتائم في الجرائد ينهال عليك..الإخراج كسيح ولكن البطل استطاع أن يحلق في سماء الفن من خلال أدائه السيمفوني المعجز ..لا اتصال هاتفي من قناة فضائية ولا من جريدة ولامن كانز البيبسي الرابض فوق مائدة مذيع..والمنتج يماطلك في إعطائك حقوقك المادية رغم أن الفيلم يتصدر قائمة الإيرادات..
3
رسوب متكرر في كلية الهندسة..ابكوا معي..قرار مجنون للالتحاق بمعهد السينما..ابكوا معي..موت أبيك بالسكتة القلبية كما يقول الأطباء وبالحسرة كما تقول أمك..ابكوا معي..عيون غاضبة..عيون محتقرة..عيون مشفقة..ابكوا معي وعليا بدون أية فواصل..
4
أنت أكثر طلاب مدرستك تفوقا..ولكن الطالب المثالي هو ابن الناظر..ورئيس اتحاد الطلاب هو ابن الناظر..وعندما تبوح لزميلة بحبك تسخر منك لأنها تحب ابن ......!!
السيدة (ن) وزيرة
كل الاشياء الطيبة في هذه الحياة لابد أن تكون صلبة في ليونة أولينة في صلابة..ابتداءا بالنهد المثير وانتهاءا بالكرسى المريح..وهذه المرأة ناشفة كقرن الخروب..لاماء يتفجر من حجارة جسدها الهزيل..وأراهنكم بأن البيت الذى نشأت فيه كان يخاصم الشمس والعصافير..وأراهنكم أيضا بأن والدها كان رجلا جلفا ولم يحدث ذات مرة بأن دخل علي أهل بيته بكيس برتقال..وأراهنكم أخيرابأنها تخطت مرحلة المراهقة دون أن ينظر لها شاب نظرة حب أو اشتهاء..ولكنها مسئولة عن تلك الكراهية التى تحاصرها كمعطف..ومسئوليتها تبدأمن ذلك اليوم الذي اتخذت فيه قرارا بأن تنطوي علي نفسها وعلي قبحها وعلي تعاستها الحقودة..اليوم الذي وقفت فيه أمام المرآة وأقسمت بأغلظ الأيمان بأن تجعل العالم أشد قبحا من وجهها وأكثر سوادا من قلبها..ورحلة صعودها الاجتماعي بدأت من قدرتها علي إثارة شفقة الآخرين عليها..من قدرتها علي إقناعهم بأنها امرأة جادة ومستقيمة وجدعة..يقولون في الأمثال القديمة بأن كل ذي عاهة جبار..والدمامة هي سيدة العاهات بلا منازع.. وبسلاسة شديدة نالت رضا رؤسائها..متعة أن يجد الانسان الضعيف من هو أضعف منه ..وان يجد القبيح من هو أكثر منه قبحا..وهذا كان سر قوتهاالذي لم يدركه أحد غيرها..في وجودها شعر زملائها ورؤسائها بالطمأنينة ..وأدركت هي ذلك..وكان هذا يملأها إصرارا بأن تجعلهم يدفعون الثمن غاليا..نجاحاتها الصغيرة لم تلفت انتباه أحد..هل تتذكرون قصة الأرنب والسلحفاة حينما دخلا في سباق ..هذه القصة تخبرنا كيف يصل معدومو القدرات إلي المقدمة..السر هو استهتار الأذكياء بهم..تسألوني لماذا ترتدي السيدة (ن) هذا الزي البالي المهلهل رغم مرتبها الذي يصل إلي عشرات الألاف شهريا؟وأقول لكم لعدة أسباب..الأول انها لاتريد أن تلفت انتباه أحد إليها..كالشحاذ الذي يخشي أن يظهر أثر النعمة عليه فيتوقف سيل الأحسان..الثاني أنها لاتريد أن تري مسحة من جمال علي نفسها ..الجمال هو عدوها اللدود ولا تحتمل أن تضع يدها في يده بعد ان ماتت احلى سنوات عمرها في حروبها معه..الثالث أنها زهدت كل اللذات إلا لذة الانتقام..الانتقام من هذا العالم الكريه الذي حرمها من أغلي ما فيه.. أن يحبها أحد..أن تضع رأسها علي صدر رجل يحبها وتبكى ..هذا البكاء الذي يغسلنا من غبار الوحدةوالاغتراب والألم..تسألوني وهل تعامل هذه المرأة أولادها –فلذات أكبادها- بمثل ما تعاملنا به؟وأقول لكم بكل تأكيد نعم..فكل إناء ينضح بما فيه..وهذه المرأة لاتملك إلا الكراهية والاحتقار لنفسها قبل الآخرين..المشاعر التى تعطيها لغيرك هي نفسها التي تعطيها لذاتك..واللغة التى تخاطب بها غيرك هي نفس اللغة التى تخاطب بها ذاتك..هل تخلو السيدة (ن) من ذرة خير؟؟ بالتأكيد لا..أحيانا ما تكتشف بأن الدنيا لم تكن بهذا القبح الذي رأته بها..ولكنها وصلت إلي مرحلة من الدناءة لايمكنها التراجع عنها..لذا فهي تعتبر ومضة النور فكرة طفولية سخيفة ومضحكة..التراجع معناه أن تعود إلي نقطة الصفر..بل وما قبل الصفر أيضا.. أن تتخلي عن كل مكتسباتها..وستكون في نظر نفسها وفي نظر الآخرين مجنونة رسمي ..في كل ما سبق حدثتكم عن البذرة ويبقى الحديث عن التربة والمناخ التى تنمو فيه..أقصد المجتمع الذي يسمح لانسان كالسيدة (ن) أن يصبح أحد نجومه..هو مجتمع يكره الحياة ويعتبرها عبئا ثقيلا.. المطلوب فقط أن تمضى الايام ..هو مجتمع يكره المغامرة والتحريض علي التفكير..لأن الهدف واحد..لكى تحصل على احترام الناس لابد أن تكون أفضل منهم..أفضل منهم ماديا..أن تقتني السلع التى يعجزون عن اقتنائها..أن تفطر قلبهم دائما ..كأن تقيم فرحا لنجلك بمبلغ يعجزون عن كسبه بعد عشر سنوات من العمل المتواصل..لذا لكي تنجح في هذا المجتمع ضع عقلك جانبا وتعلم كيف تكون خبيثا وموالسا ومذلا ومذلولا ومخيفا وخائفا وصدوقا وكذوبا وعدوا وحبيبا..انتبه ياصديقى انت في مجتمع توظيف أموال وتوظيف مشاعر..والسيدة (ن)اتقنت لعبة توظيف المشاعر..الكل كان يحاول..ولكن المجتمع في هذه اللحظة التاريخية كان في حالة وفاق معجز مع مؤهلاتها..مجتمع كفر بكل أحلام الستينات المغرقة في المثالية بعد الهزيمة المروعة..مجتمع محبط يائس قرر أن ينتحر علي طريقة البنت الطيبة التى فقدت عذريتها إثر خديعة فقررت أن تحترف الدعارة..الدعارة التى همست في أذنها بأنها الطريق الوحيد المتاح..كم أثلج صدري حين علمت ياأصدقائى أنكم في لحظة مقدسة انهلتم على رأسها بالأحذية..فهي أحد الكائنات التي تستحق ذلك بالتأكيد..
حياة جميلة في انتظارك
أعترف لك بأنني لم أتخيل أن تكوني صعبة إلي هذا الحد..وخصوصا أن صداقتنا بدأت بسرعة غير متخيلة ..في خلال جلسة واحدة كنا نتحدث كصديقين يعرفان بعضهما منذ سنوات الطفولة..كان هناك انسجام ..وكان هناك ارتياح ..وكان هناك إعجاب متبادل..وكشاعر – والشاعر بطبيعته إنسان متطرف- اعتبرت إعجابي بك حبا..نعم أحببتك ورأيت فيك المرأة التي أتمني أن أعيش معها وأري مراكب أحلامي تطفو في بحيرتي عينيها الصافيتين..ولكن هذه الأمنية كانت مستحيلة..الدين كان جدارا عازلا..ولا أخفي عليك سرا بأن هذا لم يوجعني ..بالعكس ..أفرحني كثيرا..فأنا أكره كل العلاقات التي يفرض عليها العرف أو الدين شكلا محددا..الحب – كالقصيدة- يختار الشكل الذي يلائمه..كالسفينة التي تبحر ولاتدري علي أي ميناء سترسو..كالمسافر الذي ينزل في بلد ولا يعرف متي يعود..شعور سخيف ومؤلم وضد طبيعتنا أن نتخذ قرارا لا رجعة فيه ..لماذا يمتلك الإنسان حرية الإقدام ولا يمتلك حرية التراجع ..أن يعترف بأنه كان نائما واستيقظ ..أن يعترف بأن هذا النوع من النبيذ لم يعد يسكره ..وتلك الأغنية لم تعد تطربه ..الجدارالعازل جعلني أراك بوضوح أكثر..جعلني أسبح في بحارك دون أن أخشي الغرق ..وأجلس علي شواطئك دون أن أخشي التورط..كنت جميلة ..ومرحة ..ومتألقة.. كنجمة من نجمات هوليود ..وكانت رسائلك – المكتوبة بلغة إنجليزية أنيقة – تملؤني نشوة كتلك التي أشعر بها وأنا أقرأ قصائد نزارقباني وإبراهيم ناجي وجبران خليل جبران..وكم صدمني أن ترفضي دعوتي لك لمشاهدة فيلم ليوناردو دي كابريو الأخير(INCEPTION)
الفيلم المستوحي من قصة قصيرة تحكي عن امرأة تعيش في فيلا مهجورة معتزلة الحياة الأمريكية اللاهثة..هذه المرأة عرفت كيف تسعد نفسها بأن تحلم كل يوم حلما وتعيش فيه بكل ذرة من كيانها..وابتدأت تعاستها عندما باعت أحلامها لرجل أعمال بثروة ضخمة..فجأة لم يعد لديها أحلام ..لم يعد لديها إلا واقع رتيب وعفن..واقع لامجال فيه للطفولة والبراءة والتلقائية..كل شيء محسوب بالأرقام..الأرقام التي كلما زادت في البنوك ونقصت علي لوحة السيارة كلما ازدادت أهمية الإنسان..اعتبرت رفضك نوعا من المراوغة ..المراوغة التي تحترفها كل أنثي جميلة..وبها تشتعل رغبة الذكر ويزداد إصرارا علي مطاردة فريسته..ولكنك لم تكوني أبدا بالنسبة لي مجرد فتاة جميلة أسعي إلي ضمها إلي رصيد انتصاراتي العاطفية..بصدق أقول لك أن ثوب الدنجوان أوسع مني بكثير..ولا أمتلك وردة الخسة التي يضعها في عروة جاكتته..نعم يخجلني أن أكون شابا بلا تجارب ( وهو نموذج أنفر منه)..ولكن هذا لا يعني أن كل ما يهمني- علي حد قولك في مكالمتك الأخيرة- أن أصل إلي جسدك(طبعا منعك الحياء من أن تقولي هذا صراحة) ..الشهور التي مضت علي لقائنا الأول ..والأحاديث التي دارت بيننا..واللقاءت القليلة التي جمعتنا في مكان عملنا..أثبتت لي أنك أصبحت مني ..وأن وجودك في حياتي أصبح ضروريا ضرورة الجفن للعين ..والأصابع لليد..والنجوم لأمسيات العاشقين..
وهذا ما تأكدت منه عندما أصبحت حريصا علي أن أراقبك من النافذة- عندما تتركيني وترحلين – مراقبة أب لابنته الحبيبة..هل يضحكك هذا التشبيه؟؟..هل تريدين أن تصعدي علي برج القاهرة وتصرخي( يانصاااااااااااااااااااااااااااااب)..لم يعد يهمني أن تصدقي أو لاتصدقي..فأنا علي يقين بأن العالم – بكل أكاذيبه- لايستطيع الوقوف في وجه كلمة صادقة..ولن أقسم لك لأن أصدق المتألمين هم من يتألمون في صمت..وأصدق العاشقين هم الذين عاشوا قبل ظهورالأغاني العاطفية..والعصفور الذي يرتعش تحت المطر لا يحتاج إلي أخبارأحد بما يشعر به من برد..أعرف ياصديقتي أن العمر لم يعد يسمح لنا بترف التحليق في سماوات المشاعر الأفلاطونية..كبرنا علي لعبة الحب من أجل الحب..للواقع قوانينه الظالمة..ولكلام الناس جبروته..وللقلب أن يضع – بكبرياء ذليل- شرايينه في كلابشات الزمن الحديدية..وللأحلام الخضراء أن تختنق في زنزانة الكوابيس..
منذ أكثر من خمس سنوات شاهدت فيلما فرنسيا جميلا يحكي قصة شبيهة لقصتنا وطوال الفيلم كنت أنتظر أن يبدأ..ولكنه انتهي فجأة..ونظرت غير مصدق للساعة فإذا بساعتين قد مرا منذ بداية الفيلم وأنا لا أشعر..وتعلمت من هذا الفيلم أن جمال الحياة يكمن في رتابتها لافي إثارتها..وفي أحداثها العادية لا في أحداثها الصاخبة..وأن أروع السيمفونيات تلك التي يعزفها طفل أفريقي علي مزمار من البوص وهو جالس علي شاطيء نهر في أعماق غابة..تعلمت أن أكتشف حواسي المطمورة تحت ركام
الضجيج اللوني والصوتي والشكلي..تعلمت أن أقرأ في كل موعد أراك فيه تاريخ الشوق وجغرافيا الحنين..وأن أسمع في كل مكالمة هاتفية جميع ماهمس به النسيم في أذن الشجر وفي أذن الضفائر..تعلمت أن أصطحبك – وأنت جالسة في بيتك- إلي فنادق الشعر وأبراج البوح وحدائق البهجة..قلت لك من قبل أنك سقطت علي كما سقطت التفاحة علي نيوتن..وهذا ليس صحيحا..فأنا أحببتك مع سبق الإصرار والترصد..منذ ولادتي وأنا أبحث عن أمراة لها نفس ملامحك ..ونفس ثرثرتك ..ونفس سكوتك الدفيء..في يوم ما سأذكر أنك سرت في طرقات قلبي ..وجلست علي المقاعد الخشبية تحت شرايينه ..واستحممت عارية في جداوله..وأعدك أنني لن أفتح صدري بعد افتراقنا- الذي أتمني ألا يكون ولكنني واقعي-إلا امرأة لها طيبتك وذكاؤك وجاذبيتك..أعرف أن مشاعري قد لاتكون صادقة مئة فى المئة..وقد يكون خلف هذه الرسالة الطيبة نية خبيثة في إقناعك بأن رجلا علي وجه الحب أو علي ظهره لن يحبك كما أحببتك..بل المصيبة أنني قد لا أستطيع أن أحب أحدا سوي ذاتي..فمن خلال قراءتي لقصص حياة الشعراء السابقين اكتشفت تلك الحقيقة المؤسفة..وهي أننا – معشر الشعراء- عاجزون عن الخروج من أنفسنا والدخول في إنسان آخر..ولكنني اكتشفت أيضا – وهذا سلواني- أنني أحب نفسي فيك..ومعك لا أشعر أنني أجلس في حضرة إنسان غريب عني..بل أنت أنا..معك لا أحتاج للتجمل..ولا أفكر في الكلام قبل النطق به..ولا أتحفظ..ولا أشعر بالحرج من أي شيء..وربما لو وجدت امرأة مثلك – علي نفس ديني- ما ترددت لحظة واحدة في الارتباط بها..المهم أن ترضي هي بي..أفكر فيك كثيرا وأقول لنفسي بأن وجودك في حياتي مهم ..ولكن هل العكس صحيح؟؟..وأحاول أن أضع نفسي مكانك ..ويصدمني أن تكون الإجابة (لا) ..ومع ذلك أتقبلها..لأن العقل هو الذي يقول هكذا..والصراع الذي تعانيه كل البنات في المجتمعات الشرقية هو الصراع بين التوقع والواقع..هناك بنات يقبلن بمنتهي الواقعية أول من يطرق الباب ويمتلك الحد الأدني من توقعاتهن..فطالما هو جاهز ماديا وقادرعلي فتح بيت ويوجد شيء من الارتياح فهو مقبول..قد لايكون بالوسامة المتوقعة..ولابالرجولة وقوة الشخصية المتوقعة..ولكن هذه الأشياء لا توجد إلا في السينما فقط..المهم أن تري الزميلات في الدراسة أو العمل الدبلة وهي تلمع في اليد اليمني..وبقدر الإمكان سأحاول الظهور أمامهن بمظهر السعيد لكي أستمتع بنظرات الحسد في عيونهن..فخطوبتي المبكرة معناها أنني أكثر أنوثة منهن حتي وإن كنت أقل جمالا..هكذا تقول البنت الواقعية لنفسها..وأحيانا ما تقوم بواقعية لا أخلاقية – بمنطق الزمن الذي نعيشه- بتقسيم العمل..بمعني أنه لايجوز أن نخلط بين الزواج والحب..ودع مالله لله وما لقيصر لقيصر..هي تتزوج إرضاء للمجتمع وتمشي علي حل شعرها إرضاء لشهوة القلب والجسد..والبنت من هذا النوع هي غالبا لاتعرف معني للحب الروحاني..الحب دائما هو لقاء الجسد بالجسد..الحب هو سيل لاينقطع من الدباديب والاكسسوارات وزجاجات البرفان..ولعلك تعرفين الكثيرات من هذا النوعية..وهذه النوعية نوعان..واحدة تستمتع بإذلال الرجل الذي يلهث خلفها وتقوم بابتزازه ماديا ومعنويا(وهو طبعا يستحق ذلك)..والأخري لاتحب إلا الرجل الذي يريها النجوم في عز الظهر ولا يتورع عن إهانتها وضربها أمام الناس ومع ذلك هي تبوس التراب الذي يسير عليه وقد تنتحرإن تخلي عنها أو تعيش العمر تبكي عليه..وهذه النوعية هي التي تنتمي إليها أغلب بنات مجتمعنا ياصديقتي..أما أنت فأرفع من ذلك وإن كنت علي يقين بأنك مررت – في مرحلة من حياتك- بجميع المشاعر السابقة قبل أن تصلي إلي ما أنت فيه اليوم من عقلانية ومثالية في النظر إلي موضوع الزواج..ويؤسفني أن أقول لك بأن الموقف الأخيربقدر ما فيه من ترفع وقوة وحرية بقدر مافيه من قلق ووحدة ويأس..أنت الآن ياصديقتي قررت أن تختاري زوج المستقبل بمحض إرادتك وبكامل حريتك واعتبرت تدخل الأهل والأقارب والجيران تدخلا لامعني له ..فهذه حياتك أنت لا حياتهم..وهذا صحيح..ولكنك في نفس الوقت مطالبة بتحمل مسئولية نفسية ثقيلة..وبإذن الله ستقدرين علي تحملها..وسيكون قلق نافع ولن يكون يأس ..فمن له مثل عقلك وقلبك لاخوف عليه من تلك المشاعر السلبية..أنا علي ثقة بأن حياة جميلة – تستحقينها عن جدارة- في انتظارك..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق